اراء و أفكـار

تصريح بالقتل

تخيلوا جندياً يطلق الرصاص على رأس مدني جريح ملقى على الأرض ويقتله، وتُصدر المحكمة حكماً بالسجن 18 شهراً على الجندي بتهمة «القتل غير العمد».
هذه ليست قصة خيالية أو مشهداً تمثيلياً في فيلم حربي. هذه قصة واقعية جرت أحداثها العام الفائت في مدينة الخليل بالضفة الغربية، عندما أطلق الجندي الصهيوني إلؤور أزاريا النار على رأس الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف (21 عاماً) الذي كان جريحاً ممداً على الأرض فاقداً القدرة على الحركة.. ثم قال لصديقه الجندي الآخر الذي يقف إلى جانبه «يستحق الموت».
هكذا وقعت الجريمة وبدم بارد في شهر مارس/ آذار الماضي، وعن سابق ترصد وتصميم، ثم تصدر المحكمة يوم الثلاثاء الماضي حكماً بسجن الجندي 18 شهراً فقط بتهمة «القتل غير العمد»!
واقعة القتل العمد موثقة بالصور سجلها ناشط فلسطيني في مجال حقوق الإنسان وتم بثها على الشاشات التلفزيونية العربية والعالمية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وقد لاقت هذه الجريمة الموصوفة يومها الشجب والاستنكار من مختلف المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، ومن منظمات يهودية وبعض القادة العسكريين الصهاينة الذين تحدثوا عن «طهارة السلاح»، وكأن سلاح الإرهابي المحتل يمكن أن يكون طاهراً.
القصة لم تنتهِ عند هذا الحد. فرغم أن الحكم المخفف الذي صدر يعني تصريحاً بالقتل، وبمثابة ضوء أخضر لكل الجنود الصهاينة بارتكاب جرائم مماثلة دون خوف من عقاب طالما أن تهمة «القتل غير العمد» جاهزة، فإن رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو طالب بالعفو عن الجندي، لأنه لا يستحق العقوبة، كما فعل غيره من قادة الكيان.
إذا كانت العنصرية والتمييز والكراهية والحقد هي الصفة الملازمة لنتنياهو وأمثاله من الصهاينة، فإن المجتمع ««الإسرائيلي»» هو الآخر معبأ بالعنصرية، ونسج على منوال قادته، إذ أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من نصف اليهود يؤيدون جريمة الجندي ويؤيدون إطلاق سراحه.
هذه الدولة العنصرية تمارس أبشع أشكال التمييز من خلال أحكامها الجائرة على مئات الشباب والأطفال الفلسطينيين بتهمة إلقاء الحجارة في حين تبرئ جندياً أقدم على قتل شاب فلسطيني جريح بدم بارد، وذلك في رسالة واضحة تقول إن دم الفلسطيني مستباح،وأنه طبقاً للثقافة القيمية للجيش والدولة اليهودية، فإن قتل الفلسطيني ليس جريمة.
هذه جريمة حرب بكل المقاييس، وفقاً للقوانين الدولية، ويجب عدم السكوت عليها ووضعها على الرف كبقية آلاف الجرائم المماثلة التي ارتكبها العدو الصهيوني على أرض فلسطين وعلى أرض أكثر من بلد عربي.
لعل هذه الجريمة تعيد إنعاش الذاكرة العربية، وتعيد العقل العربي إلى رشده، وتشده باتجاه العدو الحقيقي الذي لا يمكن الوثوق به، أو يمكن أن يكون حليفاً أو جاراً.
هل يمكن مجاورة وكر أفاعٍ سامة والعيش بسلام وأمان؟

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة