اراء و أفكـار

سبحة ترامب «تنفرط»

تقدم استقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل فلين الذي عين في منصبه قبل أقل من شهر، نموذجاً عن حال الارتباك والقلق والشكوك التي تعيشها الإدارة الأمريكية الجديدة، إذ تبدو غير متماسكة وتنقصها الخبرة، وتحتاج إلى إعادة تقييم، لأن مثل هكذا إدارة لا تستطيع القيام بمهامها، وعلى الأقل وضع استراتيجية سياسية وأمنية صحيحة وواضحة للتعامل مع القضايا الدولية المتفجرة التي تطبق على خناق الولايات المتحدة والعالم.
من الواضح أن هناك توجهات متناقضة بين أعضاء فريق الرئيس ترامب ولا يوجد توافق بينهم حيال أزمات العالم ووسائل مواجهتها، وبما يتوافق ووجهات نظر الرئيس. لذا من المرجح أن تكون استقالة فلين مقدمة لاستقالات أخرى في فريق ترامب، الذي يتردد أنه يبدي استياءً تجاه أداء العديدين منهم، ومن بينهم فلين الذي وضعه في موقف حرج لعدم إبلاغه بمضمون المناقشات الهاتفية التي أجراها مع السفير الروسي في واشنطن سيرجي كيسلياك قبل أسابيع من توليه الرئاسة، حيث ناقشا العقوبات الجديدة التي فرضتها إدارة أوباما على روسيا والتي شملت طرد عدد من الدبلوماسيين الروس، ونصح فلين يومها السفير الروسي عدم الرد «لأن إدارة ترامب ستتمكن من مراجعتها».
يقال إن فلين أطلع نائب الرئيس مايك بنس على محادثاته مع السفير الروسي لكنه لم يذكر له أنه تقدم بنصيحة للروس بعدم الرد، وهو ما قامت المخابرات الأمريكية بتسجيله واصبح دليل إثبات ضد فلين.
هذا مجرد رأس جبل الثلج، فهناك حالة من عدم اليقين والتشويش تخيم على فريق ترامب «الجديد على الكار» كما يقال، وعديم الخبرة ما أدى إلى فقدان الرؤية والوضوح تجاه أزمات حادة مثل العلاقات مع إيران والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي والإرهاب والشرق الأوسط والنظام الدولي، وكلها كان لترامب مواقف منها خلال حملته الانتخابية وتحتاج إلى مواقف.
وفي هذا الصدد تكشف صحيفة «نيويورك تايمز» عن جانب من حالة الفوضى والارتباك هذه، فتقول إنه «بعد ثلاثة أسابيع تحت إدارة ترامب يستيقظ أعضاء مجلس الأمن القومي صباحا ليقرأوا تغريدات الرئيس على «تويتر»، ويكافحوا بعد ذلك من أجل صنع سياسة تناسب تلك التغريدات». وتضيف «إن معظم أعضاء المجلس لا يتم اطلاعهم على ما يجري في المكالمات الهاتفية بين ترامب وقادة الدول الأخرى..وأن بعض العاملين في المجلس يقومون بالاتصال المشفر أثناء التحدث مع زملائهم، بعد أن سمعوا أن كبار مستشاري ترامب ينظرون في برنامج «التهديد الداخلي» الذي قد يؤدي إلى مراقبة الهواتف والبريد الإلكتروني للعاملين في المجلس منعاً للتسريبات».
إن استقالة الجنرال المتقاعد فلين وتعيين الجنرال المتقاعد الآخر كيث كيلوج بديلاً مؤقتاً له، لن تكون مجرد حبة واحدة سقطت من السبحة، بل هي بداية لسقوط حبات أخرى، وهذا أمر بديهي بالنسبة لهكذا إدارة.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة