اراء و أفكـار

الرئيس المفدى ترامب

بقلم : رشا عمران

كان ينقص الحالة الترامبية مؤيدون يجرحون أصابعهم بالسكاكين ويبصمون بالدم ويهتفون: «بالروح بالدم نفديك يا ترامب»، كان ينقص الحالة الترامبية أيضا مجموعة من المواطنين الأميركيين الشرفاء يحملون صوره ويضربون بها المواطنين الأميركيين غير الشرفاء الذين لا يحبون ترامب، وليسوا معجبين بالحالة الترامبية التي كان ينقصها أيضا مجموعة مسلحين يكتبون على جدران نيويورك وكاليفورنيا: ترامب إلى الأبد، أو ترامب أو نحرق البلد، كان ينقص الحالة الترامبية أيضا مجموعة من الطائرات الحربية تقوم بطلعات جوية تقصف فيها الولايات التي اعترضت على قرارات الرئيس المفدى ترامب، وتهجر سكانها إلى باقي الولايات أو إلى خارج الولايات المتحدة الأميركية هربا عبر المحيطات أو عبر الحدود المفتوحة مع المكسيك قبل أن يبدأ ترامب ببناء الجدار الفاصل.
كان ينقص الكثير من التفاصيل الأخرى حتى نتمكن من القول إن العرب انتصروا أخيرا، وهاهم يصدرون الحالة العربية إلى مركز العالم ومركز قوته، فلا يمكن تشبيه ترامب بأي رئيس أميركي مر عبر تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، ولا يمكن تشبيهه أيضا بأي رئيس أو حاكم أوروبي، هو نسخة محسنة ومعدلة من خليط من الزعماء العرب في السنوات الأخيرة، نفس الرعونة السياسية والقرارات المرتجلة، نفس السماجة والشعبوية في الخطاب والأداء والسلوك اليومي، نفس القدرة على تدمير ما تبقى من الجيد الذي تم إنجازه ذات يوم، نفس الإحساس بالزعامة المطلقة.
وبدلا من الشعور بأن أميركا مزرعته الشخصية على طريقة الزعماء العرب الذين يتصرفون ببلدانهم بوصفها مزارع ممتلكة لهم، فإن الزعيم المفدى ترامب يتصرف مع العالم بأسره بوصفه واحدة من شركاته الكبيرة التي يديرها، وما زعماء العالم سوى موظفين لديه يمكنه أن يغلق سماعة الهاتف في وجه أحدهم، ويمكنه أيضا أن يفصل الآخر من عمله ويعين آخر بدلا عنه، كان يمكن للحالة الترامبية أن تصل إلى هنا بل وأن تتفوق على الحالة الزعامية العربية، لولا أن الإرث الديمقراطي، الذي دفع الأميركيون ثمنه حروبا أهلية طويلة ودما لم يجف حتى الآن، قادر على إيقاف جنوح أو جنون العظمة لدى ترامب أو غيره عند حده، ومهما كان رأينا بسياسة الولايات المتحدة الأميركية، سواء اختلفنا أو اتفقنا معها.
ومهما كان رأينا بالآلية الديمقراطية التي تتم بها الانتخابات الرئاسية وغير الرئاسية ودور الشركات الرأسمالية الكبرى في تحديد شكل المرحلة السياسية، إلا أن عراقة المؤسسة الديمقراطية وعراقة السلوك الديمقراطي اليومي، يمنع المساس ببنود الدستور الأميركي ويمنع المساس بالقوانين إذا ما خطر للرئيس تغييرها بلحظة ما.
ما حصل بأميركا منذ تنصيب ترامب وحتى الآن، والوقوف بوجه قراراته العشوائية من قبل المؤسسات الدستورية الأميركية، والاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد قراراته ربما يكون درسا للشعوب العربية قبل زعمائها، فالزعماء لن يتغيروا أبدا، بأن الحقوق التي يدفع ثمن تحقيقها كل هذا الدم والتضحيات لا يمكن التفريط بها بسهولة، ولا يمكن السماح لأحد باستغلال سلطته لتغييرها.

نقلا عن الوطن القطرية

مقالات ذات صلة