اراء و أفكـار

«ترامياهو»

فاتنة الدجاني

كثيرة هي الإشارات الإسرائيلية، سواء من الحكومة أو وسائل إعلام، إلى مدى التجاوب والانسجام والتوافق بين رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو والرئيس دونالد ترامب في قضايا عدة … التجاوب الذي يكاد يصل إلى درجة التماهي، وكأن عنوان المرحلة هو في نحت الاسمين: «ترامياهو»!
ربما تكون هذه الإشارات في محلها، أو مجرد ترويج من باب التعمية وإخفاء القلق، أو التفاؤل الكاذب بترامب. المحك هو اللقاء المقرر بينهما في واشنطن في مثل هذا اليوم الأسبوع المقبل.
سيذهب نتانياهو إلى اللقاء بوجهيْن، أحدهما مبتهج بمواقف ترامب من إيران ومكافحة «الإرهاب الإسلامي»، والآخر متوجّس من مقاربته عملية السلام في الشرق الأوسط وغيرها من الملفات التي تم ترحيلها إلى هذا اللقاء، مثل الاستيطان ونقل السفارة الأميركية إلى القدس.
وكعادته، يستبق نتانياهو اللقاء بالهرب إلى أمام، ورهانه الأكبر تحويل الأنظار من الصراع مع الفلسطينيين إلى المسألة الإيرانية، بحجة مركزيتها، مستفيداً من أجواء التصعيد الأميركي ضد طهران. يضيف إلى ذلك سعيه إلى «جبهة موحدة» مع أوروبا للتصدي للسياسات المناهضة لإسرائيل، مستفيداً من التطورات الحاصلة في القارة الأوروبية، من «البريكزيت» البريطاني، إلى صعود اليمين في أكثر من بلد، واحتمالات فوز مرشحة اليمين مارين لوبن في الانتخابات الفرنسية. وما زيارته لندن أول من أمس سوى اختبار أولي لخطته، وإن كانت النتيجة لم تأت وفق توقعاته، فتمسكت بريطانيا بدعم الاتفاق النووي الإيراني وحل الدولتين ومعارضة الاستيطان.
بمراوغة نتانياهو أو من دونها، ستكون عملية السلام حاضرة بقوة في لقائه ترامب، إن لم يكن لكونها إحدى القضايا العابرة للإدارات الأميركية، فبسبب رغبة ترامب القوية في تحقيق السلام، كما أكد أكثر من مرة.
الصحيح أيضاً أن رغبة ترامب وحدها لا تكفي لإحراز نتائج، فهناك محددات للعب مثل هذ الدور، ليس أقلها المعرفة بالملف، والخبرة، لكن أهمها على الإطلاق الحَكَم النزيه، أو على الأقل أن «يُنظر إليك على أنك حكم شبه نزيه» وليس «محامي إسرائيل»، على حد قول وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر. وطبعاً تستدعي الوساطة «النزيهة» عدم إفراغ المفاوضات من محتواها قبل أن تبدأ، بقرارات ومواقف منحازة تؤثر في النتيجة النهائية لعملية السلام.
السلام؟ أي دور وأي سلام بعد التنسيق والموافقة الرئاسية الأميركية التي مهّدت لتمرير الكنيست «قانون التسوية» لتشريع البؤر الاستيطانية المقامة على أراض فلسطينية خاصة بأثر رجعي، ولو أن ترامب يعتقد أن القانون يأتي في سياق المزايدات الحزبية وسيسقط أمام المحكمة العليا الإسرائيلية؟
من الحكمة ألا تتسرع إدارة ترامب وتتماهى مع نتانياهو في اتخاذ قرارات على حساب الفلسطينيين، فكلما ضاق هامش المناورة لدى السلطة الفلسطينية، أصبحت أمام خيار الصفر… حين لا يبقى بيد الرئيس محمود عباس سوى الاستقالة وحل السلطة. وما السلطة هنا إلا استثمار استراتيجي دولي، وأميركي أساساً رعته وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان، سواء عبر المبادرات السياسية، أو المساعدات الضخمة المخصصة لمشاريع التنمية (على علاتها) من خلال المنظمات الأميركية الحكومية (يو أس آيد مثالاً)، أو عبر خطة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية التي أعدّها وأشرف عليها الجنرال الأميركي كيث دايتون، أو الخطط الأميركية للانسحاب الإسرائيلي من الأغوار، والتي وضعها وأشرف عليها جنرالات أميركيون أيضاً.
ما زال من المبكر حسم موقف ترامب ومقاربته عملية السلام، فحتى الآن تبدو مواقفه سائلة وغير محددة وحمّالة أوجه تجاه الاستيطان ونقل السفارة، باستثناء بعض المبادرات لإرضاء إسرائيل. لكن ما زالت الأسئلة المقلقة مطروحة: أي سلام؟ ووفق أي مرجعيات؟ والأهم هل هي فعلاً مرحلة «ترامياهو»؟

نقلا عن “الحياة اللندنية”

مقالات ذات صلة