اراء و أفكـار

أمريكا وإيران: عدوّ عدوّي ليس صديقي؟

رأي القدس

فتحت تجربة إيران إطلاق صاروخ باليستي يوم الأحد الماضي باباً سيصعب على طهران سدّه في إطار العلاقة مع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي اعتبر أن الجمهورية الإسلامية «تلعب بالنار» وأن سلفه الرئيس السابق باراك أوباما، بحسب تعبير ترامب، كان «لطيفا تجاههم»، وأكّد أن هذا لا ينطبق عليه.
العالم الذي بدأ الاعتياد على اللغة الفظّة لترامب بدأ أيضاً يستعد لحقبة من إمكانيات تأجج صراعات سياسية وعسكرية بكافة اتجاهات خارطة الكرة الأرضية بسبب تصريحات وقرارات إدارة ترامب السريعة والصادمة والتي لا توفّر أحداً.
هذا الاستنفار المتوفّز تجاه العالم بأكمله (الأعداء منهم والحلفاء) والذي تلخّصه فكرة ترامب عن «أمريكا أولاً» يعطي انطباعاً أن المؤسسات الأمريكية المؤثّرة في قرارات الحرب والسلم، كوزارات الخارجية والدفاع والأمن، قد لا تتردّد كثيراً قبل الامتثال للنمطية الترامبية العنيفة بحيث يمكن أن نتوقع نقل درجة التصعيد من العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية إلى ما هو أكثر، وهو أمر أوضحه تصريح ترامب حول إيران بأن الخيار العسكري ليس مستبعداً.
واضح جدّاً أن القيادة الإيرانية قد أحسّت بـ«سخونة» الوضع وجدّيته هذه المرّة فبعد الحديث عن حقّ إيران في القيام بتجارب صاروخية والرد على واشنطن بالقول إن تصريحاتها استفزازية ثم اللجوء إلى قرار (من وزن الريشة!) بمنع مصارعين أمريكيين من المشاركة في مسابقة عالمية في طهران عاد وزير خارجيتها المحنّك محمد جواد ظريف للتهدئة بالقول إن إيران «لن تشن أبداً حرباً»، وأنها «لن تستخدم أبداً أسلحتها ضد أحد».
التصعيد ضد إيران سيلقى ترحيباً لدى دول الخليج العربي وكذلك لدى شعوب أربعة بلدان عربية (على الأقلّ) تعاني من الاجتياح الإيراني لكياناتها ومن سيطرة الوليّ الفقيه على مقدّراتها ومن تحطيم نسيجها الوطنيّ وإثارة صراع دمويّ بين الشيعة والسنّة، ولكنّه سيثير مخاوف روسيا، الحليف الدوليّ الأكبر (والوحيد) لإيران، لكنّه أيضاً سيحظى بقبول إسرائيل التي تعتبر إيران أحد أكبر خصومها في المنطقة.
الخصومة الأمريكية لإيران تستند إلى تاريخ طويل من العداء بدأ مع انطلاق الثورة الخمينية عام 1979 وتخلّلته فصول تتراوح بين الكره الشديد ومحاولات التصالح، وقد انتهى الحال بالأمريكيين، مع انقلاب أحد أطراف السلفية السنّية الجهادية (تنظيم «القاعدة») عليهم إلى وضع مستجدّ غريب خدم فيه الأمريكيون النفوذ الإيراني في قوس واسع يمتد بين أفغانستان وسوريا، وحصل نوع من «تعايش الأضداد»، وخصوصاً في العراق، وهو أمر ترك آثاراً هائلة على العالم العربي، وأثار ضغينة عدد من البلدان والشعوب العربية على الأمريكيين، في إحساس (متبادل) كبير بخيانة حليف الأمس الوطيد لعلاقة وثيقة تقارب القرن.
قرارات ترامب بحظر رعايا ست دول عربية (وإيران) استثنت حلفاء أمريكا السياسيين العرب لكنّ إحساس المسلمين عموماً بالخطر تزايد، والموقف الأمريكي المستجد من إيران، الذي يمكن ربطه بتاريخ الخصومة السابق لا يخلو من العداء العنصريّ للإسلام بكافّة أشكاله، شيعيّة كانت أم سنّية، وإذا أضفنا الترحيب الإسرائيلي بتأجيج التوتّر مع إيران فإن العرب سيقفون على رقعة شطرنج معقّدة، الأرباح فيها بحجم الخسائر.
لا ينطبق في هذه الحالة المثال المعروف أن «عدوّ عدوّي صديقي»، فتأجيج الصراع ضد الإسلام سيؤذي الإيرانيين وسيؤذي العرب بالمحصّلة لكنّه لن يستطيع محو الضغائن والكوارث التي خلقتها السياسة الإيرانية في المنطقة وبالتالي فإن العرب لن يندفعوا للدفاع عن جارتهم اللدود، وبالمقابل فإن رضاهم عن تأجيج النار العنصرية الأمريكية ضد الإسلام بحجّة أنها ستنال من إيران قد ينقلب عليهم لأن النار قد تحرقهم كما ستحرق غيرهم، كما أن بعض فوائدها قد تصبّ في الطاحونة الإسرائيلية.

نقلا عن “القدس”

مقالات ذات صلة