اراء و أفكـار

الانتخابات .. فرصة لتصحيح المسارات

عادل عبد المهدي*
تتجه غالبية القوى السياسية للاخذ بنظام “سانت لوكو” دون اضافات جوهرية. والخلافات تدور حول النسبة، بحجة ان التكليف التشريعي والوزاري، كما هو في بقية بلدان العالم، هو عمل احزاب وليس افراد اساساً.
اجتهدت (2012)، وخارج اي اطار حزبي، في افتتاحيات متتالية في “العدالة” باهمية تعديل النظام الانتخابي، لفتح المجال للمستقلين ولمزيد من التيارات لدخول المجالس التشريعية، مع الاقرار ان التكليف التشريعي والوزاري يعتمد، في جوهره، على نظام انتخابي اساسه التيارات والمناهج والاحزاب المتنافسة. واقترحت (فيما يخص النظام فقط، وليس المفوضية والاجراءات وغيرها) ان تُحسب المقاعد الفائزة مناصفة، بين “سانت لوكو”، واعلى الاصوات. فاعترض بعض الاخوة قائلين ان هذا سيفتت العمل السياسي، وسنخرج من فوضى لندخل باخرى. ومن ناحيتي ارى ان الانتخابات هي فرصة لتصحيح المسارات. فالعلاقة بين الاحزاب وجماهيرها، بل بينها وبين الجمهور عموماً، هي في تراجع. وهي بحاجة لتطمينات ان النظام الانتخابي هو ليس وسيلة للسيطرة والتحكم، بل لتشخيص ارادة الشعب، بفتح المجال للترشيح لكل من يجد في نفسه الكفاءة، دون اشتراط حزبيته او دخوله في قائمة حزبية. بل هي فرصة لبناء قوى سياسية مسؤولة وخبيرة بشؤون الدولة والمجتمع وليس مجرد امتداد لاحزاب المعارضة:
1- سيضمن النصف “الاعلى صوتاً” فوز أي مرشح مستقل كفوء يمتلك قاعدة، وسيكون منافساً متساوياً تماماً مع اي مرشح في قائمة. فلا تغبن اية كفاءة تمتلك المؤهلات الشخصية والجماهيرية لتكون عضواً في الهيئة التشريعية. وبهذا سيتسنى الدفاع عن النظام الانتخابي بانه لا يغلق الابواب امام احد، وفيه عدل وانصاف.
2- بالمقابل سيضمن “سانت لوكو” عدم تفتيت السلطة التشريعية لانها ستضمن نصف المقاعد للاحزاب على الاقل، والتي ستضيف عليها الفائزين باعلى الاصوات ايضاً. والنتيجة 1- ازاحة العناصر الضعيفة قليلة الاصوات في القوائم.. و2- عدم تفتيت القوى الحزبية.. و3- فتح الباب لاية كفاءة مستقلة ان تحظى بفرصتها للمشاركة في الحياة السياسية.
3- ويأتي الرد بان المستقلين والكفاءات يستطيعون الدخول عبر القوائم الحزبية. والجواب، ان هذا صحيح. لذلك كان الاتفاق في “الائتلاف العراقي الموحد” مثلاً ان يكون نصف القائمة من المستقلين. ولكن الفكرة لم تحقق النجاح المطلوب، لان المنظمين سيمتلكون فرصة اكبر للفوز لتصويت تنظيماتهم اليهم، فتحصل القائمة على اصوات من المستقلين اعلى مما تعطيهم فرصاً للنجاح، وهو ما تسبب في انقسامات ومشاكل عديدة.
4- يمكن للقوائم الحزبية والاحزاب ان تكون قناة للمستقلين والكفاءات، لو ان الاحزاب طورت عملها الجماهيري، كما في البلدان الاخرى. لهذا اقترحنا “انتخابات تمهيدية” تجريها الاحزاب لاختيار مرشحيها تفتح فيها الابواب للجمهور ترشيحاً وانتخاباً، وفق الشروط المناسبة.. او “مؤتمرات انتخابية” تخدم الفكرة نفسها. وقد حاول “التيار الصدري” و”المجلس الاعلى” تطبيق الفكرتين، فحققاً نجاحاً نسبياً، وفشلا في ازالة الكثير من الاخطاء والخروقات، وتطويرالتجربة لتصبح ممارسة عريقة للرقابة والانفتاح على الجمهور والمستقلين والكفاءات.
5- برهنت التجربة ان النظام الحالي يضمن فقط فوز القوائم، ولا يضمن وحدتها او قوتها. فبسبب ركاكة تشكيل القوائم، والتنافسات الداخلية، التي مخرجاتها صعود عناصر ضعيفة، فان الانقسام وخروج الفائزين عن قوائمهم يحصل في داخل السلطة التشريعية، وبعد الفوز، وهذا خطر اكبر. على العكس فان دخول عناصر كفوءة ولها رصيد سيدفع على الاغلب للاقتراب والعمل والمشترك.
6- سيفرض مقترح النصف باعلى الاصوات، والنصف الاخر وفق “سانت لوكو” على القوى السياسية التنافس بافضل ما لديها، والبحث عن افضل الكفاءات داخلها او بين الجمهور، والا ستدفع الثمن. كما سيدفعها للاهتمام بجمهورها، فلا تتغافله خلال اربع سنوات، ثم تأتي تطلب تأييده في الانتخابات. كما ان النظام الانتخابي بالاشكال التي طبقت لحد الان شجع حصول الزعامات على اصوات مرتفعة للغاية، اما بسبب السلطة، او بسبب جماهيرية تاريخية، ليكون صعود باقي اعضاء القائمة من رصيد الزعامات وليس من رصيد الكفاءة والجماهيرية الذاتية.. وان الاستمرار على ذلك لا يشجع بناء قوى سياسية ناضجة بمؤسساتها وليس بزعاماتها فقط، تستطيع فعلاً ادارة وقيادة البلاد، وليس مجرد الفوز بالانتخابات، والبقاء في السلطة.

مقالات ذات صلة