ملهاة ترامب ومأساة العرب
رأي القدس
أدّى إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارا تنفيذياً بمنع دخول رعايا ست دول عربية هي اليمن والعراق وسوريا والسودان وليبيا والصومال، إضافة إلى رعايا إيران، مجموعة من التناقضات السياسية والقانونية المثيرة، والتي بدأت تفعل فعلها بشكل مؤلم، بالنسبة لأغلب رعايا الدول المذكورة، ناهيك عن الإشكاليات الواقعية الكثيرة التي سيخلقها والتي تشبه الكوميديا السوداء التي تختلط فيها الملهاة بالمأساة.
الواضح من القرار الذي بدأ تطبيقه يوم الجمعة الماضي وسيستمر 90 يوماً أنه يستجيب، بالدرجة الأولى، للتعهّدات الشعبوية التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية والتي لقيت استجابة لدى اتجاهات عنصرية ويمينية محافظة وكذلك لدى جمهور خائف مما يجري في العالم وتمّ إفهامه من قبل مرشّحه الملياردير أن إغلاق الحدود ومنع المسلمين من المجيء إلى أمريكا سيوفّر لهم الأمن والطمأنينة والسلام.
باستثناء النزوع اليمينيّ الرائج في كل العالم (بما فيه – يجب أن نعترف – لدى سلطات ونخب وجماهير تنتمي إلى الدول الإسلامية والعربية المتضررة من قرار ترامب!) لتحميل المسؤولية على «أجنبيّ» ما، واستثمار الاتجاهات العنصرية للمخاوف من الإرهاب، والقلق البشريّ الملازم لكل ذلك والذي تتكفل عولمة وسائل الإعلام والانترنت ومسلسلات التلفزيون الموجّهة بالخصوص ضد العرب والمسلمين (مثل مسلسل «هوملاند» الأمريكي الشهير والذي ينتجه إسرائيليون، وكان الدراما المفضلة لدى باراك أوباما!) فإن لا أسباب واقعية وحقيقية يمكن أن تسند قرار ترامب.
لا يحتاج هذا الأمر إلى مراكز بحث استراتيجية للتأكد منه وكان مسلّياً، ومفيداً، أن نجد إحدى شخصيات تلفزيون الواقع الشهيرة (مثل ترامب نفسه)، كيم كارداشيان، تحاول أن تلقّم الرئيس الأمريكي معلومة متوافرة وبسيطة تشير إلى أن شخصين أمريكيين يلقيان حتفهما سنوياً على أيدي جهاديين مهاجرين مسلمين بينما يُقتل 11 ألف شخص على أيدي أمريكيين مثلهم.
لم يبن ترامب قراره إذن على أسباب حقيقية ووقائع محددة يمكن منها استنتاج المنطق السياسي أو الأمني من قراره، فهو لا يستطيع أن يثبت واقعة واحدة كان فيها أحد من رعايا الدول التي حظرها متورّطاً بعمل إرهابيّ، والأغرب من ذلك أن ما بدأ عهد «الحرب على الإرهاب» الأمريكية التي ما زالت مستمرة هو هجمات 11 أيلول /سبتمبر 2001 وكان منفذوها من أربع جنسيّات، أغلبهم سعوديون (15 شخصاً)، واثنان منهم إماراتيان وواحد مصريّ وواحد لبناني، وقد أدّت هذه العمليّة، كما هو معلوم، لاجتياح أفغانستان والعراق، وخلقت بسبب هذين الاجتياحين موجة لا سابق لها من «إرهاب الدولة» الأمريكية وردّ فعل هائل من الإرهاب المعاكس الذي انتشر بشكل لا نظير له من قبل.
إحدى المفارقات التي سرعان ما كشف عنها قرار ترامب إمكانية وقوع عرب محسوبين على واشنطن (وربما كانوا عملاء وجواسيس لها) وكرّسوا حياتهم لتنفيذ خططها في «الحرب على الإرهاب» المزعومة في شراك محاولة تطبيق السلطات الأمريكية للقرار، كما حصل مع مترجم عراقيّ يعمل في القنصلية الأمريكية في أربيل تم توقيفه في أحد مطارات أمريكا ثم تدخّلت جهة ما فأدخلته، وكان ملفتاً للنظر التذمّر الذي أبداه جنود عراقيون يعملون بالتحالف مع واشنطن على اقتحام الموصل، واعتبروا أن هذا يجعلهم شركاء استراتيجيين لأمريكا ومنعهم من زيارة هو افتئات على هذه «الشراكة».
وبذلك تتعرّض نظرية «أمريكا أوّلاً» لمساءلة من يرفعونها، فهذه «الأولوية»، وبسبب مصادرها العنصرية، لم تستبعد رعايا تلك الدول المذكورة فحسب، بل الرعايا الافتراضيين لـ«أمريكا أولاً» والذين ليسوا مهاجرين من أوروبا العرق الآري، كما هو حال ترامب، أو الساميّة اليهودية، كما هو حال زوج ابنته جاريد كوشنر، وتم تفصيل القرار على مقاس رعايا دول لا تملك أن تفتح ملاعب لرياضة الغولف لشركة ترامب على أراضيها، أو بحجز فنادقه، أو بالتهديد بسحب أرصدتها!
سؤال بسيط: لو أن الدول العربية (أو المؤثرة منها) كانت قادرة على معاملة الرعايا الأمريكيين بالمثل فهل كان ترامب سيصدر قراره؟