اراء و أفكـار

المصالحة أولاً

فاتنة الدجاني

بين كل الملفات المدرجة على الروزنامة الفلسطينية في العام الحالي، تتصدر المصالحة المشهد كاستحقاق أساسي، ليس بوصفها فعلاً وطنياً فحسب، بل لأن إنجازها يؤشر إلى جدية الحلول في الملفات الفلسطينية الأخرى والتوافق المحلي والإقليمي والدولي عليها، في حين أن عدم تحقيقها يبقي أي إنجاز مراوحاً مكانه أو مجرد تقدم جزئي إعلامي لا يغيّر في الواقع شيئاً.
في 17 الشهر الجاري، تختبر الديبلوماسية الروسية نفسها في فلسطين بعد سورية، إذ يُعقد في موسكو اجتماع يضم الفصائل الفلسطينية بهدف ترتيب البيت الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية بين حركتي «فتح» و «حماس». حظوظ هذه المساعي في النجاح غير واضحة، وكثيرون لا يراهنون عليها، بمن فيهم روسيا نفسها التي أبقت المؤتمر عند حدود دعوة من مركز دراسات وليس من الدولة أو وزارة الخارجية، آخذة العبرة من الإخفاقات العديدة السابقة في هذا الملف وعدم نجاح مساعي عواصم إقليمية، مثل الرياض والدوحة والقاهرة، فالمطروح مصالحة بين برنامجيْن مختلفين: برنامج منظمة التحرير الذي يعترف بإسرائيل وبالاتفاقات الموقعة معها وينبذ العنف، وبرنامج «حماس» كحركة مقاومة، وإن بدأ هذا الاختلاف يضيق تدريجاً على أرض الواقع، فالحركتان أصبحتا حزبي سلطة، واحدة تحكم في رام الله والثانية تحكم قطاع غزة، واحدة تؤمن بالمفاوضات والديبلوماسية طريقاً لتحقق الآمال الوطنية، والأخرى تؤمن بالمقاومة طريقاً وحيداً، لكنها عملياً جمدت أعمال المقاومة بعد أن وقّعت مع إسرائيل، عبر مصر، اتفاق هدنة طويلة الأمد بعد حرب عام ٢٠١٤، فمنعت حتى إطلاق صاروخ على الدولة العبرية.
البرنامج السياسي ليس وحده السبب في عدم استكمال المصالحة، بل ثمة شريحة مستفيدة من الانقسام في غزة والضفة، كما أن مساعي المصالحة شهدت على مر الأيام صعوداً وهبوطاً وفقاً لأجندات إقليمية ومواقف دولية رافضة لشراكة «حماس» في السلطة ما لم تقبل الحركة بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير.
كانت أيضاً لتأخر المصالحة انعكاسات مقلقة، إذ ولّدت الحالة الفلسطينية مبادرات وخططاً محلية وأخرى خارجية خطيرة، فتعالت للمرة الأولى أصوات داخل «حماس» تدعو إلى «فيدرالية» بين قطاع غزة والضفة الغربية. والأدهى عدم صدور أي تنديد من داخل الحركة أو «فتح» والسلطة. ترافق ذلك مع صدور دعوات دولية إلى عودة غزة الى الوصاية المصرية، والضفة إلى الوصاية الأردنية، فيما أعلن عن خطة إسرائيلية يُروّج لها لدى إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب تدعو إلى ضم المستوطنات الكبرى إلى إسرائيل وإعطاء الفلسطينيين حكماً ذاتياً في ما تبقى من الضفة.
لكن هذا كله لا يعني أن حظوظ اجتماع موسكو معدومة، فلا يغيبن عن البال أن روسيا تسعى الى الإمساك بالورقة الفلسطينية جزءاً من شمولية سياستها الشرق أوسطية، مستعينة بالعلاقة الطيبة بين الرئيس فلاديمير بوتين وكل من نتانياهو والرئيس محمود عباس، وأيضاً بالتفاهم مع تركيا بما لها من تأثير على «حماس».
سيكون من المفيد أيضاً انتظار ما سيتمخض عنه اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي أكد عباس نية عقده في آذار (مارس) المقبل، وأعلنت حركتا «حماس» و «الجهاد» نيتهما المشاركة فيه، لكن ما زال انضمامهما إليه رهناً بالاتفاق على الحصص والبرنامج.
في مشهد الثلث الأول من العام الجديد وروزنامته المزدحمة، من مؤتمر باريس الدولي للسلام بعد أيام قليلة، إلى القمة العربية في الأردن في آذار (مارس) المقبل، وقمة مجلس منظمة التعاون الإسلامي في ماليزيا، لا تشكل هذه المعطيات سوى تراكم كمي في الملف الفلسطيني، وإن كان لا يمكن التقليل من أهميته. يبقى أن الفعل الجوهري الممكن فلسطينياً وعربياً هو المصالحة، فإن لم تكن حاضنة الحلول المقبلة، فهي استعداد أولي لانتفاضة كبرى كرد فعل على سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، كما يتوقعها الإسرائيليون والفلسطينيون، خصوصاً إذا نقلت السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

نقلا عن “الحياة اللندنية”

مقالات ذات صلة