اراء و أفكـار

عام جديد.. قديم!

عام انقضى يسلم العام الجديد أثقالاً من المآسي والصراعات والحروب والدمار والفتن، وأخطرها المنظمات الإرهابية التكفيرية التي ملأت المدن بالدم والحقد، وحولت النور إلى ظلام، وتحاول اقتلاع الماضي بكل إنجازاته وحضارته، وجعلت من الدين رداء لاستباحة القيم واجتثاث ما قامت عليه الإنسانية من سنن وقوانين تبني للبشرية مستقبلاً من التعايش والأمن والسلام يقوم على التسامح والحوار واحترام الآخر بمعزل عن دينه ولونه وثقافته وقوميته.
ندخل العام الجديد وعالمنا العربي يعاني كل هذه المآسي وتداعياتها، حيث تفجرت براكين الحقد قتلاً ودماراً، وخرجت نوازع الخلافات الطائفية والمذهبية التي كانت مخبوءة في ثنايا التاريخ السحيق كما تخرج الحمم، وصار الوطن العربي أوطاناً ودوله دويلات وجامعته جماعات، وتشتت الصف وانقسم إلى طوائف وقبائل وعشائر وجهويات، وصارت حالته كحالة السقيم الذي يبحث عن طبيب فلا يجد إلا الجلَّاد يقطع الرؤوس ويأكل الأكباد ويحرق الآدميين أحياء، ويفخخ الأجساد ويلقي بالجثث في حفرة أو نهر، وهو يهتف «الله أكبر»، وكأن الله الغفور الرحيم أعطاه إذناً بالإبادة وارتكاب المعاصي والموبقات.
عام كما العلقم انقضى، والأمة تبحث عمن يخرجها من هذا الجحيم. البعض يلوذ بمن لديه القوة والسلطان طلباً للحماية، والبعض يبحث من مجير يعينه لحماية نفسه ورأسه وموقعه، أياً كان هذا المجير طامعاً أو طامحاً أو أجيراً، وليس مهما إن كان في الجوار أو في في أقاصي البحار، والبعض يفتش عن معين له حتى ولو كان عدواً أو مرتزقاً.
بلادنا صارت مشرَّعة، سائبة بلا أبواب أو جدران، يستبيحها القريب والبعيد، وصار لكل من هبَّ ودبَّ يد في هذه الأمة يلعب في أحشائها من دون أن يكون لنا دور، حتى ولو من باب الاستشارة. سقطنا من كل حساب لأننا أردنا أن نكون توابع بلا قرار أو إرادة أو موقف. ومن لديه موقف وقرار ولا يزال يمسك بثوابت الأمة، فهو كمن يمسك بالجمر، أو كمن يصيح في البرية ولا يسمع إلا صدى صوته.
ندخل العام الجديد وقضيتنا المركزية فلسطين تقف على حد السكين كما هي حالها منذ الابتلاء بالكيان الصهيوني، لكن هذه السنة الأمر يختلف، فالعدو ماضٍ في تنفيذ نهجه العدواني التوسعي للسطو على الأرض وتصفية القضية، متجاهلاً كل القوانين والشرعيات ونواميس الأرض والسماء، ومستنفراً كل محمولاته من عنصرية وأساطير لتغيير تاريخ وهوية وجغرافيا الأرض مدعوماً بدول عظمى تتحدث عن الحقوق وتمارس نقيضها.
لكن.. رغم هذا الليل البهيم الذي يخيِّم علينا وعلى العالم، فإن العدوان لن يدوم، والإرهاب لن ينتصر والانقسام لن يستقيم.. والأمة لا بد أن تقف على قدميها ثانية وتخرج من كبوتها.. هذه هي سنة الحياة والتاريخ.

 

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة