إيران ومشروع «المنصة السورية»
حسان حيدر
يخطئ من يعتقد أن إيران تسعى إلى تسوية سياسية في سورية تقوم على تقاسم السلطة بين بشار الأسد والمعارضة، وأنها لا تملك سوى خيار التماهي مع المسعى الروسي لإعلان وقف إطلاق نار شامل والبدء في مفاوضات الحل في كازاخستان. فإيران التي قد تقبل بانحناء تكتيكي في انتظار مرور العاصفة الروسية، لديها أهداف أخرى، بينها استعادة سورية كلها إلى حضن نظام الأسد وإخضاع سائر مكونات الشعب السوري لسلطته، تمهيداً للمرحلة المقبلة من «تصدير الثورة» التي ستهدد دولاً أخرى في المنطقة.
تتقاطع الأهداف الإيرانية والروسية في الوقت الحالي عند تعزيز نظام الأسد وتقوية نفوذه وإعادة الاعتراف الدولي به، أو على الأقل إجبار العالم على التعامل معه بحكم الأمر الواقع. وتتنابذ هذه الأهداف حول سبل ووسائل تكريس «انتصار» النظام، ولاحقاً حول مستقبل سورية وطبيعة نظامها ودوره الإقليمي.
وترى روسيا من موقعها كدولة كبرى تربط بين ملفاتها الإقليمية استراتيجية واحدة، أنه لا بد من تكريس نتائج معركة حلب في اتفاق سياسي يثبّت أقدام النظام عبر إحداث انشقاق دائم في صفوف المعارضة، بما يحول دون أي إجماع مستقبلي على المطالبة برحيله. ولذلك دعت إلى مؤتمر في آستانة لإعلان وقف شامل لإطلاق النار والبدء في مفاوضات بين أطراف في المعارضة وممثلي النظام برعايتها.
وفي الوقت ذاته، تحرص موسكو على إبقاء خياراتها مفتوحة في حال فشل المؤتمر، فتؤكد أن وقف إطلاق النار يستثني التنظيمات الإرهابية، وهذا تعبير فضفاض يمكن توسيعه بسرعة ليشمل الفصائل التي ترفض الانضواء في الخطة الروسية ولا ترى لنظام الأسد أي دور في مستقبل سورية.
اأما إيران، وبحكم كونها دولة في حال توسع دائم، فتتعامل مع الملف السوري وفق مبدأ «القضم المتدرج»، وهو اسلوب طبقته بنجاح في دول اخرى، ويقوم على مفهوم نقل «خطوط الدفاع» عن «ثورتها» إلى منطقة أبعد في كل مرة. وهي لا تنظر إلى سورية ضمن حدودها، بل تفترض أن الحدود لم تعد قائمة بين العراق وسورية ولبنان، وتعتبر أن في هذه الدول الثلاث مجتمعة «غالبية شيعية» يحق لها أن تحكمها تحت رعايتها.
وتؤكد طهران أن المسعى السياسي الروسي يفترض أن لا يحول دون استمرار المعركة ضد «المتطرفين»، وهم في نظرها المعارضة السورية بكل تنويعاتها، وتحتفظ لنفسها، في إطار مشاركتها في اجتماع آستانة، بهامش من المناورة حول التفاصيل والمراحل. وسبق أن أجرت اختباراً لمدى قدرتها على تعطيل القرار الروسي عندما أوقفت تطبيق اتفاق أبرمته موسكو مع أنقرة لإجلاء المقاتلين والمدنيين من شرق حلب وربطته بإجلاء مدنيين من بلدتين شيعيتين في منطقة إدلب.
أما تركيا، فدروها استلحاقي، بعدما أدرك أردوغان انه لم يعد للأميركيين أي دور مقرر في الأزمة السورية، ولهذا قدم «عربوناً» إيجابياً في معركة حلب، وتبنى وجهة نظر موسكو وطهران في نزع الأولوية عن هدف إزاحة النظام.
ومشاركة إيران مرحلياً في الخطة الروسية، لا ينفي احتمال الانقلاب عليها إذا هددت خطتها البعيدة الأمد بتحويل سورية «منصة» للوصول إلى مناطق أخرى، أو عندما يصبح في إمكانها الاستغناء عن الدعم الروسي.
ولأن طهران تدير ميليشيات شتى على الأرض السورية وترتبط بنظام الأسد بعلاقات تمويل وتسليح، فهي تتحكم إلى حد كبير بالقرار العسكري، بينما يقتصر الوجود الروسي على قاعدتين بحرية وجوية وعدد محدود من أفراد القوات الخاصة. وهي ليست قلقة من أن يؤدي التقارب المحتمل بين موسكو والإدارة الأميركية الجديدة إلى تقليص نفوذها في سورية، فباستطاعتها أن تلجأ إذا دعت الحاجة إلى استهداف أمن القوات الروسية في سورية وأمن القوات الأميركية في العراق، مثلما فعلت سابقاً بالتعاون مع الأسد نفسه.
نقلا عن “الحياة اللندنية”