الإرهاب في أوروبا
الجريمة المروّعة التي كانت برلين ساحتها، وسقط فيها 48 قتيلاً، وعشرات الجرحى، مماثلة لتلك التي وقعت في مدينة نيس الفرنسية يوم 16 يوليو/تموز الماضي، من حيث الوسيلة التي استخدمت في العمل الإرهابي، والطريقة، والجهة التي قامت بالفعل الإجرامي.
في العملين الإرهابيين تم استخدام شاحنة لدهس أبرياء كانوا يحتفلون بالأعياد، وكان «داعش» يقف وراءهما.
لقد سبق للإرهاب أن ضرب لندن، ومدريد، ومن ثم فرنسا، وبلجيكا، مستهدفاً وسائل المواصلات والنقل ومحطات القطارات والمترو والمطارات، وسقط عشرات الأبرياء، كما هو حال العواصم والمدن العربية التي تتلظى بنار الإرهاب الذي يقتل، ويدمّر بأساليب لم تعرفها العصور البدائية، من حيث وحشيتها، وبشاعتها، على مثال ما فعلته النازية، والفاشية، والصهيونية ضد البشرية.
ما سال، ويسيل من دم في عاصفة الجنون الإرهابية، بلغ حداً غير مسبوق، وما نجم عن هذا الجنون من تهجير، ولاجئين، ونازحين ضاقت بهم البحار، ورفضتهم دول وشعوب «متحضرة»، تحوّل إلى وصمة عار في جبين الإنسانية، لا تمحوها كلمات وعبارات استنكار وشجْب.
هذه النزعة العدوانية المتوحشة، وشهوة الدم التي لا تشبع، لا تعبأ بأديان وقيم، ولا ينفع معها نصح، وإرشاد، وعفو، لأنها مصابة بسعار القتل، ومهووسة بالشعوذة، والهرطقة الدينية التي لا أصل لها، ولا فرع في أي دين.
أيّ دين هذا الذي يدفع بإنسان لسحق مخلوقات الله تحت عجلات شاحنة، أو سيّارة، أو يفجّر حافلة، أو سوقاً شعبياً، أو مطاراً، أو يفخخ طفلته ويرسلها كي تفجر نفسها مرضاة لله ولدخول الجنة.
الإرهاب يضرب في كل مكان، ولأوروبا منه نصيب، لأنها لم تتعامل معه كما يجب. هي استفاقت عليه يضربها، يهز وجودها، ويطال حضارتها بعد أن كان لها دور في ولادته، وتعاملت معه بازدواجية، كأن هناك إرهاباً حميداً، وآخر خبيثاً. واستخدمته حيث يمكن أن يحقق لها مصالحها، وتغاضت عنه في مكان آخر على اعتقاد أنه بعيد، ولن يعود إليها.
الآن، وبعد أن طاول الإرهاب برلين، فإن أوروبا مدعوة لإعادة النظر في سياستها تجاهه، وتتخلى عن دور لا يناسبها في أن تكون صدى للسياسة الأمريكية.
هي أقرب كثيراً من الولايات المتحدة لمنابع الإرهاب، لأنه في عقر دارها، وفي جوارها، يترصد، ويتابع من خلال خلاياه النائمة، أو «ذئابه المنفردة»، كي يضرب مجدداً، وحيث يمكن أن تطال يديه. خصوصاً أن تحذيرات صدرت مؤخراً عن أكثر من مرجعية أمنية ومخابراتية أوروبية ودولية، من استهداف المدن الأوروبية في أيّ وقت.
لا بد من مقاربة أوروبية جديدة، والتخلي عن سياسات قديمة سقيمة، في إعلان حرب شاملة على الإرهاب بكل مسمّياته، وتلاوينه، وفي إطار عمل دولي حقيقي بهدف اجتثاثه.
شجب ما جرى في برلين، وغيرها تعبير عن رفض، لكن الشجب والرفض وحدهما لا يصرفان لدى الجماعات الإرهابية التي ترى فيهما علامة ضعف، تستوجب المزيد من العمليات الإرهابية.
نقلاً عن “الخليج “