ترامب السوري
منير الخطيب
تتخذ الحرب على الإرهاب في سوريا بعداً جديداً بعد نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة. صحيح أن المعطى الأميركي لم يكن حاسماً ميدانياً خلال سنوات الحرب الخمس الماضية، إلا أن التبدل الجديد كفيل بإحداث نقلة نوعية تعجل بوضع حد لمعاناة السوريين على مشارف العام السادس للحرب المفروضة عليهم.
التبدل مناقض لكل التوقعات التي كانت سائدة خلال ظهور المد التكفيري، والتي وصلت إلى حدودها القصوى في التشاؤم مع السيطرة على أجزاء واسعة من سوريا والعراق وخروج مناطق إضافية عن سلطة بغداد ودمشق لمصلحة دويلة كردية في طور التشكل. اليوم بات محسوماً أن الدولتين السورية والعراقية على طريق استعادة المبادرة، وفرض إعادة استمرار وجودهما ضمن حدودهما المتعارف عليها قبل الغزو «الداعشي».
فكرة بقاء الدولتين في إطارهما السيادي كانت تبدو مستحيلة، حتى بين حلفائهما الأكثر تفاؤلاً. الرغبات الإسرائيلية التقسيمية، والأطماع التركية والطموح الكردي لدولة، والزخم الأصولي التكفيري الذي استقطب عشرات آلاف المجانين من حول العالم للقتال في بلاد الشام، لم تترك مجالاً ولو ضيقاً إلا لاستمرار الحرب إلى أمد طويل.
مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وبدء التصريح عن سياسة أميركية خارجية تنتهج الانكفاء، وتعيد تعريف العدو بأن تضع الإرهاب التكفيري في طليعة المخاطر الاستراتيجية، صار من الممكن الحديث عن خريطة طريق حقيقية لإنهاء «داعش» وأخواتها. وأول معالم هذه الطريق إعادة ترميم الدولة السورية المركزية ودعمها بالوسائل الضرورية لإعادة بسط سيادتها داخل حدودها من دون تجزئة، بدعم متزايد من روسيا التي وسعت أخيراً دائرة عملياتها العسكرية.
وصول ترامب إلى البيت الأبيض تزامن أيضاً مع تحول أوروبي في التعاطي مع قضية النزوح السوري الذي تتعاظم مخاطره المادية والأمنية والاجتماعية يوماً بعد يوم، وبات المؤثر الفاعل في توجهات الناخبين وصعود اليمين المتطرف الذي يمقته كثر، ومع ذلك يصوتون لسياساته الحمائية.
ترامب لم يتردد للحظة في تأكيد خياراته السياسية في الحرب السورية التي أطلقها خلال الانتخابات وزاد عليها عرضاً بالتعاون في مكافحة الإرهاب خلال اتصال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
قد لا يكون الرئيس الأميركي المنتخب مدعاة للتفاؤل. مواقفه العنصرية وسرعة غضبه وحدة انفعالاته لا تؤهله ليكون حليفاً يركن إليه. كذلك الأمر في مجموعة المستشارين المحيطين به، والمرشحين لتولي الشؤون الخارجية والعسكرية والأمن القومي في إدارته، ولبعضهم مقترحات لحل أزمات المنطقة كفيلة بإشعال الحروب فيها لعشرات السنين: من قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة إلى إقامة دولة «صحوات» سنية في البادية الممتدة بين سوريا والعراق، أو إعادة نشر قوات أميركية في العراق تداركاً لخطأ إدارة باراك اوباما تقليص التواجد العسكري غير المدروس بحسب ما يردد مستشارو ترامب، علماً أن ذلك يتعارض مع سياسة الانكفاء، إلا أنه يعزز أميركا المتفوقة، رأس الحربة في مواجهة الإرهاب التكفيري الذي بات القوة اللاتقليدية الأخطر والأكثر انتشاراً حول العالم.
ترامب حليف لا يركن إليه محاط بمستشارين ربما أكثر جنوناً منه ولهم دراية بعمل الإدارة الأميركية التقليدية والمؤسسات الدولية، وغالبيتهم من صقور المحافظين. أي أثمان سيادية ووطنية سندفعها للحليف الأميركي الجديد؟
نقلاً عن “السفير”