اراء و أفكـار

«الدولة اليهودية» تمنع فلسطين من الأذان

بطريقة رمزية رائعة، سجل أحمد الطيبي، النائب الفلسطيني في الكنيست، احتجاج شعبه على القانون الإسرائيلي الجديد بمنع الأذان في المدن والبلدات «المختلطة» (أي التي يعيش فيها غير مسلمين) وذلك بأن رفع هو نفسه الأذان مرددا الكلمات التي يسمعها ويرددها مئات ملايين المسلمين في العالم والتي تدعوهم إلى الصلاة، فيما أعضاء الكنيست اليهود يحاولون إسكاته والتشويش عليه، وهو أمر فعله بعده عدة نوّاب فلسطينيين آخرين.

أشار الطيبي أيضاً باحتقار إلى تدريب الشرطة الإسرائيلية الكلاب على الهجوم على من يردد جملة «الله أكبر» متسائلاً إن كان كلب سيهاجمه في الكنيست وهو يرددها.
يطرح القانون الإسرائيلي قضايا نضالية جديدة كثيرة على الفلسطينيين، ولكنه أيضاً يطرح قضايا فكرية تخصنا كعرب ومسلمين عموماً لأنه يجيء في وقت تنوء فيه فلسطين والبلدان العربية تحت وطأة هجمة هائلة ومعقدة تتمازج فيها عناصر كثيرة تضبّب الرؤية وتميل بكثيرين من الضحايا لاتخاذ مواقف تدعم، من حيث تدري أو لا تدري، جبهة جلاديهم.
بعض هذه المواقف تتمثّل في انقسامات عمودية عربية يجد بعضها في الخنادق والجبهات المفتوحة ضد العرب والمسلمين مكاناً لها تحت مسمّيات المقاومة والممانعة أو اليسار واليمين أو العلمانية والإسلام السياسي.
يحاجج الإسرائيليون في أن قرارهم يحترم الحريات الفردية لأصحاب الأديان الأخرى، من يهود ومسيحيين، كما أنه «يراعي» أيضاً حريات بعض المسلمين الذين لا يصلّون أو لا يرغبون في سماع «ضجيج» الأذان، وهو أمر ردّ عليه الفلسطينيون بسرد قائمة طويلة من الإجراءات المضادة لهم في المدن «المختلطة» والتمييز العنصري ضدهم، وبربط هذا القرار بضغط المستوطنين، وباعتباره جزءا من منظومة واسعة لتطبيق إجراءات تهجير وطرد الفلسطينيين من مدنهم القديمة كاللد وحيفا (والقدس طبعا).
العلاقة واضحة بين الطرد من الجغرافيا والتاريخ مع الإقصاء الرمزي للإسلام وطقوسه بما هو عصب الهوية الثقافية والحضارية للفلسطينيين (والمنطقة العربية) الذي تتجمّع فيه تقاليدهم التي قاومت الفناء عبر مئات السنين كما تصبّ فيه مقاومتهم للإنكار وللإلغاء الوجودي.
بأمثال هذا القرار، وبالضغط السياسي الكبير على الفلسطينيين والعرب ودول العالم للاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية»، تضيف إسرائيل على النزاع السياسي مع الفلسطينيين والعالم العربي اجتهادها الذميم على التناحر الديني المحض الذي يحيلنا إلى عالم ملتاث ومجنون لا ينتصر فيه طرف إلا بإبادة الطرف الآخر بالكامل، فتتحول الصراعات السياسية على الأرض إلى معركة «أرماغدون» المسيحية ـ اليهودية مع الشرّ (الإسلام!) كمقدمة للظهور الثاني للمسيح، أو ما يشبهها عند الميليشيات الشيعية من معركة استحضار الإمام الغائب (بالقضاء على السنّة «التكفيريين»)، وعند نظائرها السنية بحضور المهدي (بالقضاء على الروم والفرس الجدد!).
لا يمكن بأي حال الدفاع عن الأرض ومقاومة الإلغاء من دون الدفاع عن بشر هذه الأرض وعن هويتهم الثقافية والحضارية، فالمطلوب الإسرائيلي (والمطلوب العنصري العام ضدنا) يريد استئصال الوجود الفلسطيني (بعلمانييه وإسلامييه) وإفراغ نضالنا من طابعه الإنساني العام وتحويله إلى نزاع ديني فقط لخفض سقف الصراع وتوظيفه في المنظور الذي تريده إسرائيل.
تحقير الإسلام والتعرض لطقوسه ورموزه أداة سياسية متعاظمة الفاعلية تتداولها الاتجاهات العنصرية والشوفينية في مغارب الأرض ومشارقها (من دعوى ترامب حظر سفر المسلمين لأمريكا وصعود الأحزاب العنصرية الأوروبية إلى تمويه الفوارق بين «الإخوان» و»داعش» في مصر وصولاً إلى اضطهاد الروهينجا في ميانمار) وهو أمر لا يسير باتجاه واحد، فالعنصرية ضد المسلمين تعزز التطرف لديهم، والعكس صحيح.
باختصار: الدفاع عن الهويّة الثقافية والدينية للأمة هو دفاع عن الأرض.

نقلا عن “القدس العربي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً