اراء و أفكـار

الاقتصاد.. قوة العملة انعكاس لقوة الاقتصاد

عادل عبد المهدي

اساس العملة تاريخياً انها سلعة (الذهب، والفضة، الخ)، وتطورت لاحقاً ليتم تداول المستندات (العملة) الورقية Bank Notes والاحتفاظ بالمعدن (الاحتياطي) لتحويل العملة الورقية اليه عند الطلب.. ومع ازدياد التعاملات تم التخلي في اتفاقات «بريتون وودز» ١٩٤٤ عن قاعدة الذهب (عدا الدولار حتى ١٩٧١)، ليتم من حيث الجوهر اصدار العملة حسب حاجيات التعامل الاقتصادي وقدرات البلد الاقتصادية. فهناك نظامان نقديان اساسيان.. وما عداهما خليط منهما. ١- تكتسب العملة قيمتها بقوة القانون.. فتقرر الدولة سعرها وتتعهد بتغطيته.. ٢- او تترك العملة ليقرر السوق سعرها. اتبعنا حتى ٢٠٠٣ النظام الاول.. ونتبع –بعد التغيير- النظام الثاني. وان المشكلة الراهنة للسياسة النقدية، ومنها مزاد العملة والتعامل مع المصارف والتحويل الخارجي واستنزاف العملة الاجنبية، هي اختلاط المفهومين. وبما ان الاختلاط يمنع التمتع بمزايا أي من النظامين، فصرنا بالتالي ضحايا فويتهما وسلبياتهما فقط.
تتلخص مزايا النظام الاول باستقرار سعر الصرف واعتدال معدلات التضخم عندما يستطيع الاقتصاد الايفاء بالتزاماته.. اما عيوبه فسيفرض السوق سعراً آخر. وكلما كان سعر الصرف تعسفياً، وتم التشديد على التحويل الخارجي وشروط حيازة «العملة الصعبة»، ازدادت الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق (السوق السوداء!). كان السعر الرسمي في النظام الاول عندنا نحو ٠.٣٣ ديناراً للدولار، وسعر السوق نحو ٤ دنانير في ١٩٨٨، لينهار اواسط التسعينيات ليصل الى ٣٠٠٠ دينار للدولار (حوالي ١٠ الاف ضعف). ليرتفع التضخم لمعدلات فلكية، وتفقد المعاملات والاسواق استقرارها، ويزداد تهريب العملة، والتحاسب بقيمة العملة الاجنبية، حتى لتحديد مهر الزواج. اما مزايا النظام الثاني فهو ان العرض والطلب سيحددان سعر الصرف، او يعوم سعر صرف بين وقت وقت آخر ليتماشى مع حاجيات السوق. ومن مزايا النظام تطابق الاجراءات مع الواقع، وبالتالي ثبات الاسعار وقدرة السيطرة على التضخم وسد حاجات التحويل الخارجي والثقة بالعملة.. اما عيوبه فهي ازدياد اعمال المضاربة، وزيادة فرص استنزاف العملة الصعبة، وصعوبة السيطرة عليها.
فالمشكلة اليوم هي التناقض بين الفلسفة المتبناة دستورياً وقانونياً، وهي آليات السوق، وكثير من التطبيقات والممارسات التي ما زالت تتعامل بمفهوم الدولة الاشتراكية او سعر الصرف المحدد. فالمشكلة ليست مزاد العملة، ونظام الاعتمادات والتحويل الخارجي، والمصارف، على الرغم من كل الثغرات والسلبيات.. بل ضعف وشبه غياب للاقتصاد الوطني والمشاريع الارتكازية والقطاعات الحقيقية، وضعف الاسواق المالية والبورصات والمؤسسات، واعتماد شبه كامل على الميزان التجاري (الصادرات والاستيرادات)، وفوضى كبيرة للنظام الجمركي والضريبي، وشيوع التعامل بالعملة الورقية وضعف العادة المصرفية، الخ.
قبل اربع سنوات اسقطت قيادة البنك المركزي، وابعد محافظه الكفوء الدكتور سنان الشبيبي، واعتقل عدد من مسؤوليه، وذلك بعد تقارير تشير، ان الاستيرادات عبر المنافذ الحدودية اقل بكثير مما يباع في مزاد العملة. اطلق سراح موظفي البنك، ومنهم نائب المحافظ الدكتور مظهر صالح، وعين لاحقاً -باستحقاق وكفاءة- مستشاراً اقتصادياً لرئيس الوزراء. فصار واضحاً ان مسؤولية نزف العملة لا تقع على البنك المركزي او المصارف ومزاد العملة، بل على ضعف الاقتصاد ومؤسساته، والاعتماد على الميزان التجاري. فلايقاف النزف يجب ايقاف الاستيرادات.. ومن دون انتاج واقتصاد وطني حقيقي لا يمكن ايقاف الاستيرادات. بل الاستيرادات تستعمل في البنك المركزي كقاعدة، او كخط احمر، لكي لا تهبط احتياطات البنك عن استيرادات ٦ أشهر في الاقل.

نقلاً عن “الصباح الجديد”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً