اراء و أفكـار

وهم الطائفية

حبيب فياض

تشكل المحاصصة الطائفية حجر الأساس في أي حكومة لبنانية يجري العمل على تأليفها. تصاب الطوائف، والحال هذه، بالاستنفار والاصطفاف خلف زعاماتها بغية الحصول على المكاسب كاملة دون شائبة أو نقصان. يبدو الأمر لوهلته الأولى تنازعاً طوائفياً وحرصاً من كل طائــفة على حقوقها، غير أن واقع الحال لا يعدو كونه مبارزة بين الزعامات من خلال الطوائف. الصراع في لبنان طائــفي بأدواته لا في أهدافه ومنجزاته، ولا علاقة أصــلاً بين صــراع الطــوائف ومكتسباتها. تتنازع الطوائف لا من أجل شــيء تنجــزه أو تكسبه، بل من أجل مكاسب تعود بالفيء حصــراً إلى من يتزعمها أو يمسك بزمامها.
الطائفية وهم يعيشه اللبنانيون. لا ريب في كون الطوائف اللبنانية أدوات بأيدي زعمائها. وإذا كان لبنان بلد الطوائف المتنازعة، فإن الطائفية بمثابة حبل السرّة الذي بربط اللبنانيين ببقاء الزعماء، أكثر مما يربطهم ببقاء الطائفة، أو بقائهم في الوطن. «الأنا» المتزعمة اكتسحت الطوائف وطغت عليها، وحوّلتها إلى أدوات في خدمة المصالح الضيقة. ليست الطائفية، بمعناها الفعلي، تحصيل حقوق الطائفة، بل أن تكون الطائفة في خدمة الزعيم. وليست المحاصصة حصول كل طائفة على ما تستحق، بل حصول كل زعيم طائفي على ما يريد.
ليس من الصدفة أن تُختصر الأحزاب الطائفية بزعاماتها. وليس خارج المتوقع أن يعجز لبنان عن إنتاج زعيم تكتب له السطوة والديمومة من دون أن يكون متلبساً بجلباب الطائفة ومصالحها. لذا، لم يسجل للبنان بقاء حزب غير طائفي قوياً. كما لم يتسن لزعماء عابريــن للطــوائف البقاء طويلاً في سدّة الحضور والتأثير. وحدهــم الطائفــيون يبقون ما داموا في حال من التماهي مع رمزية الطائفة وهم يرفعون لواء مصالحها.
نعم، لقد نجح الزعيم ـ أيّ زعيم ـ في تحصيل حصة الطائفة في السلطة. ثم ماذا؟ هل يعود ذلك بالمنفعة على عموم أبناء الطائفة؟ أين هي حصة أصحاب الكفاءات من أبناء الطوائف في ما ينتج عن معارك المحاصصة التي يخوضــها الزعماء؟ وهل الانتصار في معركة الحصــول علــى الــوزارة المطلوبة، سيرفع الظلم والحرمان عن فقراء الطائــفة؟ وهل سيبادر الوزير إلى تعيين الأكفاء من أهل طائفته في مواقع المسؤولية؟ و…
في الأساس قامت الطائفية اللبنانية على ركيزتين متكاملتين، العصبية للطائفة والولاء للزعيم. ثم ما لبثت الأولى أن تحولت الى أداة في يد الثانية، فأصبحت عصبية الطائفة في خدمة الزعيم كتعبير عن الولاء له. جاء في مفهوم الطائفية أنها بمعنى «تحرك الجزء من الكل دون أن ينفصل عنه، بل يتحرك في إطاره ولصالحه»، فيما انعكست الدلالة اللبنانية لهذا المفهوم الى تحرك الكل في خدمة الفرد، حيث يكون الأخير منفصلاً عن الكل في استئثاره وفردانيته وعليائه.
في لبنان، ليس ثمة ما لم يقل عن الطائفية اللبنانية؛ وليس ثمة ما لم يرتكب باسمها؛ غير أن ما لا يجب أن يغيب عن بال اللبناني، هو أن الكُفء العادل من الطائفة الأخرى أنفع له من الفاسد الجائر من أبناء طائفته.

نقلا عن “السفير”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً