اراء و أفكـار

الاجتراء على قصف مكّة ودلالاته

رأي القدس

أكدت قوات التحالف العربي مساء الخميس/الجمعة الماضي اعتراضها صاروخا باليستيا من طراز سكود أطلقه المتمردون الحوثيون في اليمن كان متوجها إلى منطقة مكّة وتدميره من دون أضرار.
الحوثيون أنكروا استهداف المدينة المقدسة وزعموا أن الصاروخ كان يستهدف مطار الملك عبد العزيز وهو مرفق للطائرات المدنية، باعتبار أن قصف المدنيين في محيط المدينة التي شهدت ولادة الإسلام أقلّ سوءاً من استهداف المدينة نفسها.
الحدث، كما هو متوقع، أدّى إلى ردود فعل قويّة بدءاً من دول مجلس التعاون الخليجي ومروراً بدول عربية أخرى كما أنه استثار غضب الرأي العام العربي والإسلامي فيما احتلّ الوسم الذي أطلقه نشطاء حول الحدث على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي قائمة أكثر الموضوعات تفاعلا في دول كثيرة.
تعرّضت مكة لعدة هجمات في الماضي كان أوّلها حصار الأمويين لعبد الله بن الزبير الذي ثار على الخليفة يزيد بن معاوية، وقصفها بالمنجنيق، وكذلك هجوم القرامطة عليها في القرن الرابع الهجري وقتلها، حسب المؤرخين، قرابة 1700 حاجّ وسرقة الحجر الأسود حيث ظل بحوزتهم 22 سنة، وكانت حادثة الحرم المكّي عام 1979 التي قام بها جهيمان العتيبي مع قرابة 200 من رجاله مدعين ظهور المهدي المنتظر وانتهت بمقتلهم جميعا.
بهذا السياق فإن حادثة استهداف مكة بالصاروخ الباليستي تضيف شكلا «حداثيّا» على أحداث قديمة اجترأ فيها المهاجمون على جغرافيا مكة المقدّسة، فالصاروخ يبدو معادلاً جديداً للمنجنيق، وتجرؤ الحوثيين على استهدافها يستحضر بدوره الصراع على السلطتين السياسية والدينية في حالات بن الزبير والقرامطة والعتيبي، ولكنّ الحدث هذه المرّة لا يتعلّق بهجمات صغيرة أو اندفاعات دينية ـ سياسية محدودة وهو ما ينذر بأن الصراع الهائل الذي يزعزع أركان المنطقة العربية يحاول، ما استطاع، اختراق المحرّمات والخطوط الحمراء.
لقد شهدنا في الفترة الماضية، وإثر أزمة الحجاج الإيرانيين ارتفاعاً هائلاً في مستوى العنف اللفظيّ من إيران وحلفائها وصل حدّ تكفير السعوديين والتهديد بطردهم من مكة والأراضي المقدسة (وهو ما واجهته تصريحات قليلة مشابهة من بعض رجال الدين السعوديين) ومن دون خلفية هذا التأجيج اللفظي غير المسبوق لا يمكن أن نفهم حدث استخدام الصاروخ ولا التصريحات المخيفة الأخرى التي توجهها الميليشيات الشيعية التابعة لإيران في العراق وسوريا نحو سكان الموصل وحلب باعتبارهم «قتلة الحسين» وبالتالي فإن دكّ البنايات فوق رؤوسهم وقتل أكبر عدد منهم شكل من أشكال الجهاد.
لا تفعل مثل هذه الأحداث الأخيرة غير جرّ المنطقة العربية نحو خراب فسيح ودمار شامل لا في المدن المنتهكة والمستباحة على خلفيّة صراع سياسيّ ـ دينيّ يموت فيه العرب الشيعة والسنة لتعلو مقدّرات إيران ونفوذها في المشرق فيما تفرك إسرائيل يديها فرحاً وابتهاجاً.

نقلا عن “القدس العربي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً