اراء و أفكـار

لبنان والقرار الصعب

وأخيراً فتح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ثغرة في جدار الرئاسة اللبنانية الموصد منذ عامين ونصف ، وأعلن تأييده لترشيح زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون الذي كان يعتبر خصماً سياسياً له، وحليفاً لأبرز خصومه وهو «حزب الله».
بقدر ما كان القرار جريئاً، حيث لم يستطع غيره الإقدام عليه، بقدر ما حمل القرار مخاطرة سياسية، أقر هو بها لأنها حسب قوله: «لحماية لبنان الدولة والنظام».
ظل لبنان بلا رأس لنظامه لعامين ونصف ،وفشلت كل المحاولات والمبادرات السابقة للحريري وغيره للخروج من النفق، واختيار رأس مقبول للبنان والنظام، وتم طرح أسماء لهذا المنصب،كلها لم تجد حظها من النجاح، في حين كان لبنان يترنح تحت أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية خانقة، إضافة إلى مخاطر أمنية داخلية وخارجية جراء عاصفة الإرهاب التي تضرب المنطقة، ويزداد سعيرها في جواره،وقد طاله شيء منها جراء وجود الجماعات الإرهابية على تخومه، وسعيها المتواصل لاختراق مدنه وقراه. ناهيك عن شلل كامل ضرب كل مفاصل الدولة، حيث لا رئيس دولة، وبرلمان ممدد له، وعاجز عن التشريع وحكومة أشبه بحكومات تصريف الأعمال.
لقد بدا لبنان خلال العامين ونصف ، أي منذ الشغور الرئاسي أشبه بدولة في مهب الريح، وعرضة في أي لحظة لدخول أتون الصراعات الإقليمية جراء الانقسام السياسي الحاد والاستقطابات الطائفية والمذهبية، عوضاً عن فشل نظامه السياسي في تشكيل حزام أمان له، بسبب تكوينه القائم على المحاصصة الطائفية الذي أثبت عجزه، وكان على الدوام سبب ما عاشه لبنان من حروب وصراعات لم يستطع «اتفاق الطائف» التخفيف من سلبياته، لأن القوى اللبنانية القابضة على السلطة، وبسبب حسابات طائفية لم تنفذ بنود الاتفاق، وخصوصاً ما يتعلق بإلغاء الطائفية السياسية، ووضع نظام انتخابي خارج القيد الطائفي وعلى أساس النسبية.
ظل لبنان طوال عامين ونصف ، يبحث عن مخرج لشغور منصب الرئاسة، دون جدوى، وظل مجلس النواب يدعى لانتخاب رئيس جديد في إجراء «تشريعي فولكلوري» لأكثر من أربعين مرة، من دون اكتمال النصاب. كانت الارتباطات الإقليمية للقوى والأحزاب اللبنانية تؤثر في قراراتها، وبالتالي تحول دون قدرتها على اختيار رئيس بمعزل عما يجري من صراعات على النفوذ.
بدت الآفاق مسدودة بالكامل، فيما كان لبنان ينزلق نحو المجهول، فجاءت مبادرة سعد الحريري، لوصل ما انقطع مع خصمه السياسي، وتعيد الحرارة إلى الحياة السياسية على طريق انتخاب رئيس جديد، وتكسر الجدران المصفحة التي كان من الصعب الاعتقاد بإمكانية اختراقها، وهي خطوة لم تجد ترحيباً مطلقاً داخل تيار المستقبل، وقد قرر الحريري أن يتحمل عواقبها.
من الآن وحتى أواخر الشهر الحالي، وهو الموعد المقرر لانتخاب الرئيس، على كل من الحريري وعون بذل جهود صعبة لإقناع المعترضين والمشككين والمستنكفين والقلقين بأن «الصفقة» هي لمصلحة لبنان، وأنها ليست موجهة ضد أحد. رغم أنها سوف تؤدي إلى خلط كل الأوراق على الساحة السياسية، وتضرب كل التحالفات القائمة التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً