اراء و أفكـار

حول خطط التحديث الطموحة في السعودية

زلماي خليل زاد

زلماي خليل زاد

في رحلتي الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، شاهدت البداية نحو تغييرات مهمة وجادة. ولقد كنت أواصل رحلاتي إلى هناك منذ ثمانينات القرن الماضي، وخلال فترة عملي الدبلوماسية في العراق بين عام 2005 وعام 2007، قمت بزيارة السعودية في كثير من المناسبات كانت سببا أكيدا في إرساء أسس العلاقات الودية المتينة مع العاهل السعودي السابق الملك عبد الله ومع كبار المسؤولين السعوديين. ولكن هذه المرة الأمر مختلف تمامًا.

وفي معرض الاجتماعات رفيعة المستوى مع الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعدد من الوزراء، كان من الواضح أن القيادة السعودية الجديدة تحاول تخفيض مستويات الآيديولوجيا في صالح التحديث. وفي واقع الأمر، قال أحد كبار المسؤولين السعوديين بكل صراحة إن المملكة تحاول إحداث «ثورة تحت غطاء أو مسمى التحديث» – وبعبارة أخرى إن تحويل البلاد اقتصاديا واجتماعيا هو المحرك الرئيسي الآن للسياسة السعودية. وكان الانطباع المنعقد لديَّ أن الرياض تنظر إلى التحديث من زاوية أنه المحرك الذي تسعى الحكومة السعودية من خلاله إلى مجابهة وهزيمة التطرف، ومواجهة التحديات الديموغرافية المتنامية في الداخل، وأسعار النفط المتدنية، وذلك من خلال تعزيز دينامية القطاع الخاص وتنويع مصادر الاقتصاد.

الآن، كانت محاوراتي مع الجانب السعودي واضحة ومباشرة كمثل محادثات الأعمال في خضم مناقشة خطط الماضي وآفاق المستقبل. وخلال العقود الماضية، كان انطباعي أن الجانب السعودي ربما لم يكن يبذل الجهد المطلوب. والآن هناك فريق من الوزراء الشبان من أصحاب التعليم الراقي الذين يعملون 16 إلى 18 ساعة في اليوم على تنقيح وتنفيذ خطة تحويل وتحديث البلاد. والخطة الجديدة هي من بنات أفكار الأمير محمد بن سلمان، وتركز على كل من الجبهات المحلية والإقليمية. ويبدو جليًا أن الأمير محمد بن سلمان وفريق وزرائه الشبان يحملون أرقى درجات الالتزام والجهد والعمل.

على الصعيد الاقتصادي، وضع القادة الجدد الخطط الهادفة إلى التحول الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط على المدى البعيد. وتركز الرؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 على تقليص البيروقراطية الهائلة في البلاد، والحدِّ من وربما الإزالة النهائية للدعم الحكومي، وجمع الضرائب، وتوسيع القطاع الخاص، بما في ذلك جذب الاستثمارات من الخارج عن طريق المزيد من الشفافية والمساءلة وعن طريق إزالة الروتين كذلك.

وبدأت تلك الجهود بالفعل في إثمار بعض النتائج. حيث انخفض عجز الموازنة السعودية من 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 13 في المائة خلال عام 2016، وجاءت توقعات صندوق النقد الدولي الأخيرة بمواصلة الرياض تقليص العجز في الموازنة إلى أدنى من 10 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المقبل.

وتخطط المملكة العربية السعودية إلى تحويل شركة النفط العملاقة «أرامكو»، بما في ذلك أسهم الاكتتاب العام فيها، وربما زيادة ما يقدر باثنين تريليون دولار في صندوقها الاستثماري الجديد، مع فكرة أن الدخل الناتج عن استثماراتها من شأنه تخفيض الاعتماد على العوائد النفطية. مما يتطلب فتح دفاتر «أرامكو»، مما يؤدي إلى المزيد من الشفافية. كما أن هناك خططًا أخرى لدى الحكومة السعودية لاستخدام صندوق الاستثمارات العامة في استغلال المعادن الأخرى، وتعزيز مصادر الطاقة البديلة، وتنمية وتطوير صناعة البتروكيماويات.

ولتشجيع المزيد من إنفاق الأموال في الداخل السعودي، تعمل الحكومة على فتح مرفق الترفيه داخل المملكة، وهي تهدف من وراء ذلك إلى جذب الأسماء الكبرى من الولايات المتحدة الأميركية. ولقد أبرمت بالفعل اتفاقية مع مؤسسة «الأعلام الستة» الترفيهية الأميركية.

وتخطط المملكة إلى زيادة عدد النساء في القوة العاملة الوطنية. ولقد قمت بزيارة مدينة الملك عبد الله، وهي المدينة الجديدة التي أشرف القطاع الخاص السعودي على تخطيطها وتشييدها. وهنا، يمكن للرجال والنساء حضور المحاضرات في الكليات والمعاهد سويا، كما شيّدت المرافق المهمة للشركات الأجنبية وفق مواصفات الشركات العالمية المعنية.

ويجري السعوديون تدابير الإصلاح الشاملة لنظام التعليم. وهناك أكثر من 80 ألف طالب سعودي يدرسون في الخارج ثم يعودون إلى الوطن بمهارات وخبرات وعقليات جديدة. وهناك دمج للنساء وبشكل متزايد في الوظائف في مختلف القطاعات. ونحو 70 في المائة من السكان في السعودية تحت سن الثلاثين عاما. وهم مستعدون، إن لم يكونوا حريصون على التغيير والإصلاح.

إن آفاق الإصلاحات المخطط لها تعتبر أكثر إلهامًا في السعودية مما هو عليه الأمر في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. حيث تملك المملكة العربية السعودية احتياطيات هائلة من النفط ولا تتورط في مختلف الصراعات – وهي من المزايا شديدة الأهمية. ولقد تركت زيارتي في نفسي القناعة أن هناك قطاعات مهمة في القيادة السعودية جادة للغاية بشأن خطط التحديث وتسعى بكل قوة واقتدار على تنفيذها مع شعور بالإصرار والمثابرة.

إنه من الأسئلة المفتوحة بشأن ما إذا كان السعوديون قد أصبحوا مستعدين بدرجة كافية على كل المستويات ذات الصلة، من حيث التعليم والمهارات المطلوبة للمنافسة على الصعيد العالمي، كما يتعين عليهم تمامًا في الاقتصاد الحديث. فإن لم يكونوا على درجة الاستعداد المطلوبة، فقد تحدث توترات بين أولئك الذين ليسوا على استعداد للمنافسة. كذلك، هناك تساؤل يتعلق بمقدرة القطاع الخاص، والذي يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي في توليد فرص العمل الجديدة بينما قد يكون لزامًا على الحكومة خفض ما قيمته 20 مليار دولار من أموال دعم المشاريع خلال السنوات القليلة القادمة.

وسوف يكون من الضروري بالنسبة للجانب السعودي تحقيق التوازن بين وتيرة الإصلاح ومقدرة المجتمع على التلاؤم مع نمط الحياة الجديدة، سواء من الناحية الاقتصادية والاجتماعية على أدنى تقدير.

إذا ما نجحت جهود الإصلاح، فإن المملكة العربية السعودية تستعد لأن تصبح أكثر قوة من ذي قبل، مما يمكنها من لعب دور أكبر في محيط الديناميات الإقليمية بما في ذلك تحقيق التوازن المطلوب مع إيران وربما التفاوض بشأن إنهاء الحروب الأهلية المشتعلة في المنطقة. ومن شأن التغيير الحقيقي في سياسات المملكة العربية السعودية تجاه الإصلاحات الاجتماعية والتعليمية أن يكون نقطة تحول مهمة في الجهود الرامية إلى هزيمة المتطرفين. وبالنظر إلى دور المملكة على مختلف الأصعدة، فإن النجاح السعودي من شأنه أن يتحول إلى نموذج يُحتذى من قبل بقية دول العالم العربي والإسلامي السني حول كيفية تحقيق الإصلاح والنجاح فيه. ومن شأن ذلك، بدوره، المساعدة في إطلاق الإصلاح المطلوب بشدة في كثير من البلدان.

هناك مصالح وثيقة في المنطقة وفي العالم بأسره إزاء النجاح السعودي، وحري بنا أن نبذل ما في وسعنا جميعًا لتشجيع وتأييد ومساندة هذا المسار الجديد.

*سفير الولايات المتحدة السابق لدى أفغانستان والعراق والأمم المتحدة

المصدر : صحيفة الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً