لا شكر على واجب
حفل لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بسيل من الحرارة والدعابة، بحيث بدا أن كل ما قيل عن توتر في علاقاتهما، وعدم وجود كيمياء مشتركة بينهما مجرد رغبات شخصية لا علاقة لها بالحقيقة، خصوصاً أن أوباما ودع عهده بأكبر هدية قدمتها الولايات المتحدة في تاريخها لبلد أجنبي، وهي 38 مليار دولار.
سبق الاجتماع اتصالات مكثفة بين الجانبين الأمريكي و«الإسرائيلي» لترتيب اللقاء بينهما، كي يقدم نتنياهو الشكر لأوباما على «الهدية»، ومن ثم وداعه قبل أن يغادر البيت الأبيض، في آخر اجتماع قد يعقد بينهما، كما أشارت وسائل الإعلام «الإسرائيلية».
بدت الأجواء بينهما مريحة ومفعمة بالود على عكس ما كان متوقعاً، وتأكد أن كل ما تردد خلال الفترة السابقة عن سوء العلاقات وتوترها كان مجرد «سحابة صيف» أو مجرد «زوبعة في فنجان»؛ لأن الخلاف بين الأهل يكون عابراً مهما بلغت شدة الخلافات. فالعلاقات بين «إسرائيل» والولايات المتحدة تتجاوز الخلافات الشخصية؛ لأنها استراتيجية في الشكل والمضمون، وتحالفهما يصل إلى حد التوحد سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً، وقد عبر نتنياهو عن ذلك بمخاطبته أوباما: «أريد أن أشكركم على التعاون الأمني واسع النطاق بين بلدينا، وأنا أرى أن الناس لا يفهمون عمق التعاون بيننا».
فعلاً، إن البعض لا يدرك ولا يفهم عمق العلاقات بين الجانبين، ويبني مواقف على بعض ظواهر الخلاف في وجهات النظر، ويعتبرها أساسية، وتشكل منعطفاً في هذه العلاقات، قد تؤدي إلى فك «الرباط المقدس» بينهما، ثم تبني على ذلك سلسلة من الفرضيات والاستنتاجات الوهمية، كما هو حال بعض العرب.
كان نتنياهو كريماً خلال اللقاء مع أوباما، فقام بمداعبته أمام الصحفيين قائلاً: «أريد يا باراك أن تعرف أنك ستكون دائماً مرحباً بك في «إسرائيل»، وإني أدعوك للعب الغولف بالقرب من منزلي» فرد أوباما: «سنعمل على إيجاد الوقت لذلك».
لم تكن الإهانة التي كانت من نتنياهو لأوباما عندما توجه إلى الكونغرس من دون دعوة رسمية وألقى خطاباً هاجم فيه سياسة أوباما إزاء المفاوضات النووية مع إيران إلا حادثاً عابراً، يمكن لأي مسؤول أمريكي أن يتجاوزه و«يبلعه»، إذ حدث في السابق أن وجّه أكثر من مسؤول «إسرائيلي» إهانات إلى سيد البيت الأبيض، كما أقدمت «إسرائيل» على الكثير من الارتكابات التي تسيء إلى الولايات المتحدة، مثل قصف سفينة التجسس الأمريكية «ليبرتي» قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة خلال عدوان ال1967، كما مارست التجسس عليها من خلال شبكات زرعت في «البنتاغون» من بينها شبكة جوناثان بولارد الذي أفرج عنه العام الماضي، وبيع أسلحة أمريكية حساسة لدول أخرى من دون تصريح، وغيرها الكثير من الأحداث التي تم تجاوزها من دون أن تؤثر في العلاقات الثنائية.
.. وكأنه تم ترتيب الاجتماع كي يعتذر أوباما لنتنياهو وليس العكس، ويرد على شكره ل«هدية» ال 38 مليار دولار.. بالقول: «لا شكر على واجب»؛ لأن أوباما قام بواجبه لا أكثر.
نقلا عن “الخليج”