أمريكا والعيون «الإسرائيلية»
في «خطاب الوداع» الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أن يحزم حقائبه ويرحل عن البيت الأبيض ، أبى إلا أن يسجّل على نفسه موقفاً منافياً للقانون الدولي الإنساني ومنظومة القيم السياسية والأخلاقية التي يفترض أن تحكم الحد الأدنى من المواقف السياسية. فهو أراد أن يؤكد على الانحياز الفاضح لسياسة إدارته، كما كل سياسات الإدارات الأمريكية السابقة واللاحقة لكل المواقف «الإسرائيلية» العنصرية. إذ ينظر إلى ما يجري على أرض فلسطين بعيون «إسرائيلية» وليس بعيون الحق والقانون، ولا يرى إلا ما يقوم به شبان فلسطينيون ضد قوات الاحتلال والمستوطنين في مجرى صراع مفتوح منذ العام 1948، حيث تسد «إسرائيل» كل نوافذ الأمل أمام شعب يخضع للاحتلال، وتمارس بحقه أبشع أشكال العنف والعدوان والعنصرية والحصار والتوسع.
أوباما الذي كرّر في خطابه عبارات أفقدتها السياسات الأمريكية أي معنى حول حل الدولتين والاستيطان، لم ير فيما يجري على أرض فلسطين إلا العنف الفلسطيني «ضد أبرياء»، ودعوة الفلسطينيين إلى «وقف التحريض على العنف».
لا يريد أوباما أن يعترف بأن الاحتلال هو السبب، وأن من حق أي شعب أن يقاوم المحتل بكل الوسائل المتاحة، وفقاً لكل الشرائع الدولية والقرارات التي أقرّتها الأمم المتحدة، وأن القبول بالاحتلال يعني الرضوخ لإرادة المحتل وبالتالي التخلي عن الحقوق والأوطان.
يُفهم من كلام أوباما أن على الشعب الفلسطيني أن يستسلم لقوة الاحتلال الذي قدمت له إدارته مؤخراً أضخم دعم مادي تقدمه الولايات المتحدة في تاريخها لدولة أخرى وهو مبلغ 38 مليار دولار، تشجيعاً لها على احتلالها والمضي في سياسة التوسع والاستيطان والعدوان.
أوباما يرى أن استخدام الشبان الفلسطينيين للسكاكين عنف يجب أن يتوقف، وهو أبسط سلاح متاح يلجأ إليه الفلسطينيون رفضاً للاحتلال وتأكيداً لحقهم الطبيعي في أن يكون لهم وطن كما بقية شعوب الأرض، ولا يرى في كل سلاح «إسرائيل» وجنود الاحتلال والمستوطنين، وقتل الشبان بدم بارد وعلى الشبهة وانتهاك المقدسات والاعتقالات العشوائية وهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها، كل هذا ليس عنفاً ولا يستحق الذكر أو الإدانة.
أوباما كما غيره من المسؤولين الأمريكيين لا ينظرون إلى القضية الفلسطينية، وكل قضايا العرب الأخرى إلا بعيون «إسرائيلية»، لأن «إسرائيل» بالنسبة لهم «كنز» عسكري وأمني يحمي مصالحهم وهو جزء من استراتيجياتهم الإقليمية، لا يجوز التفريط به، بل حمايته ورعايته واعتباره فوق كل قوانين العالم المعروفة.
مصيبة الفلسطينيين والعرب بوجود «إسرائيل» والولايات المتحدة التي ترعاها. وكل الكوارث التي نراها تتجسد على الأرض العربية هي نتاج هذا التحالف المشين بين القوة والعنصرية والعدوان.
نقلاً عن “الخليج”