ذكرى مجزرة
بعد 34 عاماً على وقوعها، لا جفت الدموع ولا الدماء. مازالت، في البال، تتردد صرخات الأطفال والنساء والشيوخ، في ليل كالح السواد، وسط مشاعل يطلقها العدو «الإسرائيلي» من على تلة تشرف على مخيمي صبرا وشاتيلا، قرب بيروت، حيث كان رصاص العدو والعملاء يحصد البشر، ويطارد من يحاول الفرار من المجزرة، حيث استفاق العالم على هول ما حدث، بعد يومين من مذبحة، سوف تبقى في ذاكرة التاريخ شاهدة على واحدة من أبشع ما ارتكبه الحقد والعنصرية في العصر الحديث.
كانت بيروت المحتلة، آنذاك، تغط في النوم في ذلك اليوم الأسود، السادس عشر من سبتمبر/أيلول 1982، بينما كان المخيمان القريبان تحت حصار عتاة الغزاة، عندما كانت تتناهى إلى الأسماع طلقات الرشاشات الثقيلة والمتوسطة، التي يتردد صداها في بهيم الليل، الذي كانت تلمع فيه القنابل المضيئة. لم يعرف أحد ماذا كان يجري في الداخل، لكن الإحساس كان يشير إلى شيء مهول، حيث كان وزير الحرب الصهيوني، أرئيل شارون، يشرف عن قرب على مذبحة كبرى بحق البشر المحاصرين داخل مخيم، استهدفه الحقد والشر بواسطة مجموعة من الحثالة والأشقياء وأشباه البشر.
ظل القتل في المنازل والأزقة متواصلاً ليومين. وكانت معلومات قليلة بدأت تتسرب عن مجزرة لم ينكشف مداها إلّا في صباح اليوم التالي، بعد أن انسحب الغزاة.
يا للهول.. أكثر من ثلاثة الآف جثة مضرجة بدمائها. رجال ونساء وأطفال، مزق الرصاص أجسادهم ملأوا الشوارع والأزقة. كانت الجثث مكدسة فوق بعضها.. والطلقات تملأ الأجساد، وفي الرأس أكثرها كي لا تكتب الحياة لأحد، تعبيراً عن حقد دفين.
جثث ثلاثة آلاف فلسطيني ولبناني ظلت سيارات الإسعاف تنقلها من مسرح الجريمة طوال اليوم، ليلاً ونهاراً، إلى المقابر المجاورة التي لم تتسع لهم، فتم فتح مقابر جديدة.
مخيما صبرا وشاتيلا هما الشهيد والشاهد على مجزرة العصر التي ارتكبها الصهاينة ومجموعة من عملائهم، الذين باعوا أنفسهم ووطنهم بثلاثين من الفضة، كما باع يهوذا الإسخريوطي السيد المسيح لليهود.
أربعة وثلاثون عاماً تتجدد في كل سنة، لتروي للعالم مأساة مازالت تبحث عن المجرمين في غياب عدالة دولية بائسة، في قبضة وحوش الحروب، وعتاة المتوحشين الذين يدعون الحضارة والديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان، وتتكرر بعض صورها على يد صنوف مريضة ومشوهة من البشر، مثل «داعش» و«جبهة النصرة»، هم في الأساس صناعة هؤلاء الوحوش الذين يرسمون بالدم والنار والخراب خرائط المنطقة والعالم.
نتذكر مجزرة صبرا وشاتيلا، ومعها كل المجازر التي ارتكبت على أرض فلسطين، وفي دنيا العرب على يد عدو صهيوني موبوء بالحقد والكراهية والعنصرية، كي نؤكد أن الذاكرة العربية مازالت حية، ولن تغفر أو تسامح مادام هناك احتلال أو حقوق مسلوبة.
نقلاً عن “الخليج”