الهدنة السورية.. تأسيس لعودة العملية السياسية
ثريا شاهين
من الصعب التكهّن بمستقبل الهدنة المتفق عليها في سوريا بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وفقاً لمصادر ديبلوماسية بارزة وواسعة الاطلاع على العلاقات بين هذين البلدين. كما يصعب تحديد مصيرها على المدى البعيد.
لكن الهدنة تمثّل أول محاولة جدية على مستوى عالٍ بين واشنطن وموسكو، لإحداث اختراق في الأزمة السورية المستعصية والمعقدة. في شباط الماضي سجلت آخر محاولة، لكنها انهارت بسرعة. وتبرز أسباب جدية المحاولة الأخيرة نظراً لبروز معطيات تُعنى بها الادارتان الأميركية والروسية وهي:
أميركياً: بدء العد العكسي لانتهاء ولاية الادارة الأميركية واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. ويهم وزير الخارجية جون كيري تحقيق انجاز له وللرئيس باراك أوباما يتم ذكره دولياً في رصيد الادارة الحالية، الأمر الذي جعل ذلك أمراً ضاغطاً أكثر من أي وقت مضى للتوصل الى اتفاق جدي حول سوريا يوقف القتل والتدمير.
روسياً: هناك جدية روسية لأكثر من سبب، أولاً لتأكيد موسكو لدورها المحوري والأساسي في سوريا، بحيث أن أوباما اعترف بنفسه في قمة العشرين التي انعقدت أخيراً في الصين من أن لا اتفاق حول سوريا من دون الروس. انه اعتراف اميركي صريح بمحورية الدور الروسي وان لا حل من دون الروس.
ثانياً: ان هناك انتخابات نيابية روسية اليوم الأحد. والشعب الروسي في مرحلة التحضير لها استشعر أن جزءاً من الأسباب وراء الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها روسيا هو من جراء المشاركة الروسية في الحرب السورية. وفي اوكرانيا، كانت الكلفة المالية للمشاركة، فضلاً عن تكلفة العقوبات الغربية الاقتصادية من جراء تدخلاتها الدولية.
وبالتالي بات يهم القيادة الروسية ان تمرر الاتفاق على هدنة في سوريا، قبل الانتخابات النيابية، فتريح الرأي العام الروسي.
وثالثاً: ان روسيا يهمها أن تقوم بعمل مشترك مع الادارة الأميركية، لأن الطرفين يعرفان بعضهما بعضاً. اذ إن روسيا تخشى من ادارة جديدة في الولايات المتحدة لا تكون متعاونة معها، وتكون متصلبة حيال المصالح الروسية في سوريا. لذلك كانت هناك جدية اكثر من أي وقت مضى.
وتفيد المصادر، ان صمود اتفاق الهدنة رهن التطورات على الأرض، وخطوات الطرفين حيال الأطراف السورية التي يمونان عليها، أي المعارضة من جانب واشنطن، والنظام من جانب روسيا. لكن أهمية الاتفاق في انه يمكن أن يؤسس لعملية سياسية، من شأنها توفير الحل السياسي في سوريا بناءً على «جنيف 1» حزيران 2012، لا سيما وان وثيقة «جنيف 1» هي مرجعية اميركية وروسية.
الروس يقولون ان الأميركيين غير موافقين على توزيع نص الاتفاق. في كل الأحوال، الاتفاق أنجز من قبل فريقين أجنبيَّين دون مشاركة أي فريق سوري به. انه يؤكد المرجعية الأميركية الروسية التي تحدد مصير العالم ويكتسبان المصالح فيه. ولم يكن هناك من رأي للأطراف الداخلية في الاتفاق، الا من باب ما يقدمه لهما. مع الاشارة الى حرص الولايات المتحدة على مطالب تخدم المعارضة، وحرص روسيا على مطالب تخدم النظام. لكن في الوقت نفسه يتم فرض الاتفاق عليهما. لذلك وبسرعة نشرت روسيا جيشها على طريق الكاستيلو. والمغزى من ذلك ان روسيا جدية وتريد تنفيذ سياستها، ولا تقبل ان يعرقلها اي طرف، خصوصاً النظام وإيران، ولا أن يشوش أحد عليها.
عن ايران صدرت مواقف خجولة من الاتفاق. إنما مراجع روسية تنفي أن تكون هناك خلافات روسية معها حول الاتفاق. لكن قد يكون للنفي معنى آخر. كل الأطراف في سوريا ستلتزم به، بما في ذلك ايران، و»حزب الله» تالياً، بحسب المصادر. ومنذ الدخول العسكري الروسي على الخط السوري تكرّس هذا التوجه.
الاتفاق من شأنه أن يساعد في تمرير مرحلة الانتخابات الأميركية، الا انه يبقى قاصراً عن توفير الحل السياسي، الذي سيصار الى بحثه مع مجيء الادارة الأميركية الجديدة. وقف النار في حد ذاته جيد، والمساعدات الانسانية جيدة أيضاً، ومن شأن ذلك تخفيف المعاناة السورية في القتل والدمار. ومن المتوقع أن يبدأ الموفد الدولي لحل الأزمة ستيفان دي ميستورا اتصالاته ومشاوراته مع كافة الأطراف، لاستئناف التفاوض السوري واستئناف العملية السياسية في وقت غير بعيد. والتوقعات الديبلوماسية تشير الى امكان استئناف التفاوض في تشرين الأول او الثاني المقبلين.
نقلا عن “المستقبل اللبنانية”