اراء و أفكـار

ليبيا: إخفاق سياسي ونجاح في صدّ الإرهاب

محمود الريماوي
شكّل التقدم الذي أحرزته قوات ليبية على تنظيم «داعش» الإرهابي، في مدينة سرت على ساحل المتوسط (450 كم عن العاصمة طرابلس) إنجازاً إضافياً في مكافحة هذا التنظيم ، الذي اتخذ من مدينة سرت مركزاً رئيسياً له في ليبيا منذ العام 2013. واقع الأمر أن هذا الإنجاز يحتسب لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، وهي الحكومة التي انبثقت هذا العام عن مؤتمر الحوار الليبي، وبرعاية دولية في مدينة الصخيرات المغربية وتحظى بدعم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. ومع تقهقر «داعش» عن معظم أجزاء المدينة، فإن هذا التنظيم يكون قد تلقى ضربة عسكرية ومعنوية كبيرة. يذكر هنا أن هذا التنظيم الإرهابي لا يعلن عن أماكن وجوده في أماكن أخرى في ليبيا، لكن تقديرات مراقبين تشير إلى وجوده كخلايا نائمة في طرابلس، على ما قال محمود جبريل رئيس «تحالف القوى الوطنية»، فيما ذهب عبدالرحمن شلقم المندوب الليبي السابق في الأمم المتحدة إلى أن «داعش» يوجد في سبعين منطقة ليبية!
على أي حال فإن التطورات اللاحقة، وبعد أن تكون المعركة في سرت قد وضعت أوزارها بطرد هذا التنظيم من هناك، سوف تكشف عن أماكن وجوده وتمدده، ف «داعش» ليس تنظيماً حزبياً سرياً، بل تنظيم مسلح ومتوحش لا ينفك عن ممارسة أنشطة إرهابية للترويع وبث الرعب، وللإعلان عن وجوده.
تتحدث أطراف عديدة عن وجود قوات خاصة بريطانية وأمريكية وفرنسية وإيطالية، تتركز مهماتها على تقصي أماكن وجود «داعش»، ومن اللافت أنه سقط أخيراً ثلاثة جنود فرنسيين يوم 18 يوليو/ تموز الماضي بعد إصابة مروحية عسكرية خاصة بهم قرب بنغازي، ولم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن هذا الحادث، وقد أعلن رئيس الحكومة فايز السراج أنه فوجئ بوجود قوات فرنسية في بلاده! مشدداً على أن بلاده لا تحتاج إلى أية قوات أجنبية برية لمقاتلة «داعش». ومهما يكن، فإن مواجهة هذا الخطر وتوحيد البلاد وإطلاق عملية التنمية تحتاج إلى وقف الانقسام السياسي. فمن المعروف أن رئيس الأركان الليبي اللواء خليفة حفتر، لم يمحض ثقته لحكومة الوفاق، متهماً هذه الحكومة بأنها تعتمد على ميليشيات بدلاً من الاعتماد على الجيش الوطني. على أن السؤال يثار هنا: لماذا لا يبذل الطرفان جهودهما لتوحيد المؤسسة العسكرية بدمج الميليشيات الوطنية غير المتطرفة بالجيش، وإنهاء كل ازدواجية في السلاح الشرعي؟ الانقسام يمتد إلى ثروة النفط واستخراجه وتصديره. فالطرفان، حكومة الوفاق وحفتر لم يتفقا على آلية لهذا الأمر، فيما حكومة السراج مصممة على بدء التصدير في أقرب الآجال، بينما يهدد حفتر بمنع التصدير واستهداف البواخر الناقلة، مشككاً في شرعية الجهة التي تشرف على حقول النفط، ما يعكس مدى فداحة هذا الانقسام الذي يهدد بإبقاء البلاد في حالة شلل، ودورة الاقتصاد شبه متوقفة.
بينما تحظى حكومة السراج بدعم دولي كبير، إلا أنها لم تنجح في نيل ثقة مجلس النواب( في طبرق)، وتتركز جهود السراج على إعداد تشكيلة حكومية جديدة تحظى بالثقة النيابية. ولا شك أن افتقاد الثقة يجرح في شرعية حكومة السراج، إلا أن الظرف الطارئ الحساس يتيح كما يبدو للرجل فرصة أخرى.
أما اللواء حفتر فإنه يشدد على أنه يواجه في بنغازي ومحيطها منظمات متطرفة، ويخوض الجيش الوطني بقيادته مواجهات معها، وعلى أن الإرهاب لا يقتصر على تنظيم «داعش»، رغم الخطورة الاستثنائية للأخير. ويعترض حفتر على البند الثامن من اتفاق الصخيرات الذي يقضي بشغور المناصب العسكرية والأمنية فور سريان الاتفاق، فيما ينقسم مجلس النواب حول هذه النقطة ولم يتمكن من البت بها.
كما تشمل الخلافات آلية إنتاج وتصدير النفط الذي يشكل الثروة شبه الوحيدة للبلاد، وكذلك تتباين الرؤية إلى المؤسسة العسكرية. علماً أن ليبيا مازالت تتوافر على حكومة ثانية برئاسة عبدالله الثني ومقرها في شرق البلاد، ولا تعترف هذه الحكومة بمخرجات اتفاق الصخيرات! ومن حسن الطالع والتقدير أن هذه الخلافات مازالت مقتصرة على تباين الرؤى السياسية، دونما لجوء إلى العنف.
وإذ تبدو الأمم المتحدة عاجزة عن تطويق الخلافات، في بلد لم تستقر فيه التقاليد السياسية، وبعد أربعة عقود من غياب سيادة القانون، فقد يكون المخرج يتمثل في دعوة أركان اتفاق الصخيرات، إضافة إلى فايز السراج واللواء حفتر وعبدالله الثني، من أجل وضع ملحق للاتفاق، يعكس درجة أكبر وأشمل من التوافق، وهو ما يحتاج إلى توافق إقليمي لدفع الأمور بهذا الاتجاه، وإلا فإن ليبيا ستبقى تدور في حلقة مفرغة من التجاذبات التي لا تنتهي، مضافاً إليها تهديدات جماعات متطرفة على رأسها «داعش»، بما ينعكس على دول الجوار والإقليم.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً