موسكو تجرب حظها
يبدو أن روسيا التي باتت تشكل نقطة محورية في الشرق الأوسط وتحديداً ما يتعلق بأزمات المنطقة، من خلال الدور الأساسي الذي تلعبه في سوريا ودول عربية أخرى مأزومة بمشاكلها، تسعى لدور في المسألة الفلسطينية، وخصوصاً ما يتعلق بالمفاوضات المجمدة بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني منذ أكثر من عامين ونصف العام مستندة إلى علاقات طيبة مع الجانبين، في محاولة لفتح أبواب موصدة لم يستطع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وفرنسا اختراقها جراء المواقف «الإسرائيلية» المتعنتة الرافضة لكل الحلول المطروحة التي يمكن أن تؤدي إلى تسوية ما مقبولة تؤدي في نهاية المطاف إلى قيام «دولة فلسطينية».
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول من كشف عن هذا الجهد الروسي، عندما أعلن قبل أسبوعين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغه باستعداد موسكو لاستقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو وتنظيم لقاء مباشر لهما.
ويبدو أن موسكو تعمل منذ فترة في هذا الاتجاه من أجل توفير مقومات محددة لنجاح اللقاء الذي من المتوقع أن يتم خلال أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إذا ما استكملت الظروف الموضوعية من خلال الاتصالات الجارية بين الأطراف المعنية، وخصوصاً مع مصر التي تقوم بدور مهم في هذا الشأن، كما ذكرت صحيفة «نيزافيسمايا غازيت» الروسية.
نجاح الاتصالات والمشاورات التمهيدية مرهونة بعدة عوامل من المفترض توفرها، أولها الحصول من «إسرائيل» على تعهد بالموافقة على وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخصوصاً في القدس، وتحديد مدى زمني للمفاوضات تنتهي بالاتفاق على قيام دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال من خلال مرجعية دولية وبضمانات أممية.
هذه الموضوعات بحثها قبل يومين عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني مع السفير الروسي لدى فلسطين اليكساندر روداكوف الذي قال بعد الاجتماع إن «روسيا تفكر جدياً في عقد لقاء للبناء عليه حول عقد مؤتمر دولي للسلام وليس لمجرد اللقاء، حيث إن الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال، ويتعرض لظلم يومي، ولا بد من حل للقضية الفلسطينية بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية».
إذاً، نجاح الجهد الروسي يعتمد على قدرة بوتين في إقناع نتنياهو بتغيير سلوكه السياسي تجاه القضية الفلسطينية وهو ما عجزت عن تحقيقه الولايات المتحدة وفرنسا ودول غربية أخرى طوال السنوات الماضية،لأن ما هو ثابت في السياسة «الإسرائيلية» هو التهرب من مستحقات السلام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وشراء الوقت من خلال مفاوضات عبثية استغرقت حتى الآن أكثر من عشرين عاماً برعاية أمريكية دون غيرها للمضي قدماً في مخططات الاستيطان والتهويد المتواصلة على قدم وساق.
فهل يتخلى نتنياهو عن هذه السياسة، وكذلك عن الرعاية الأمريكية التي توفر له كل مستلزمات فرض الأمر الواقع على الأرض الفلسطينية ويستبدلها بأخرى روسية؟
من الصعب أن يحصل بوتين من «إسرائيل» والولايات المتحدة على شرف وضع أسس لحل ممكن للقضية الفلسطينية، لأنهما لا يريدان تسوية في الأساس إلا وفق الشروط «الإسرائيلية»، أي الاستسلام الفلسطيني.
…لكن من حق بوتين أن يحاول!
نقلا عن “الخليج”