اراء و أفكـار

ليبيا والجرح النازف

متى يمكن أن يلتئم الجرح النازف في ليبيا؟، وهل تستطيع حكومة الوفاق استثمار النجاحات التي شهدتها بعض مناطق البلاد لجهة دحر عناصر تنظيم «داعش»، بخاصة في مدينة سرت وبعض المناطق القريبة منها؟
أسئلة كهذه تبدو مشروعة، نظراً للآمال المعلقة على حكومة الوفاق التي تجد دعماً إقليمياً ودولياً كبيراً، فهي الجهة الوحيدة التي بإمكانها أن تستثمر هذا الدعم والبدء في إعادة الأوضاع في البلاد إلى طبيعتها، وهي لاشك عملية شاقة، نظراً للتعقيدات الحاصلة في البلد، التي لا تزال تعيش أجواء الحرب منذ مرحلة ما قبل سقوط معمر القذافي وما بعدها.
الحفاظ على كيان ليبيا موحدة، مسؤولية الجميع، لكنها تبقى الأهم لحكومة الوفاق التي يجب عليها أن تكسب ثقة الناس بها، والبدء في تنفيذ مشروع وطني شامل يستوعب كافة الأطراف السياسية والقبلية في البلاد، بخاصة في ظل انقسام البلد بين حكومتين وفصائل مسلحة متعددة، والتي تعيق عودة الحياة إلى طبيعتها.
تبدو قضية الصراع على موارد النفط واحدة من القضايا التي لا تزال تشكل العقدة الرئيسية في الصراع الليبي – الليبي، إضافة إلى النفوذ الواسع الذي اكتسبته بعض التنظيمات المتطرفة، أمثال «داعش» على الأرض، والتي تضعف قدرات أية حكومة على بسط نفوذها في عموم البلاد، وإذا ما أرادت حكومة الوفاق ممارسة شرعيتها على كافة الأراضي الليبية؛ فإنه يترتب عليها أن تحمل مشروعاً وطنياً يكون قادراً على القضاء على حالة التمزق والشتات التي يعيشها المواطن، والذي يدفع وحده ثمن الصراعات القائمة.
«مصلحة ليبيا»، هو الشعار الذي يجب أن ترفعه الفصائل المتقاتلة في الوقت الحاضر لتستعيد ليبيا وحدتها التي فقدتها خلال السنوات التي أعقبت رحيل القذافي قبل نحو خمس سنوات تقريباً، ويجب أن تدرس حكومة الوفاق أي خطوة للاستعانة بالخارج من أجل تعزيز سلطتها، لأن أي تدخل خارجي مباشر ستكون له تداعيات سلبية على مجمل الأوضاع القائمة.
لا يجب التقليل من حجم التحديات التي تواجه الليبيين في الوقت الحاضر، إذ إن انقسام البلاد بين شرعيات وحكومات ومليشيات يدفع بالوضع إلى مزيد من الانفجار، والأمر يتطلب مواجهة هذه التحديات بخطوات تعمل على تمتين الجبهة الداخلية والحد من تداعيات التدخل الخارجي، الذي قد يصب مزيداً من الزيت على نار الأزمة المتقدة ويجعل أمر توحيد البلد أمراً في غاية الصعوبة.
على الليبيين التماسك والبحث عما يوحد جبهتهم الداخلية، لأن غير ذلك يعني المزيد من الانكسارات، وتداعيات هذه الانكسارات ستأتي على ما تبقى من مقومات الحياة، وستترك الباب مفتوحاً لانهيارات أكثر في هذا البلد العزيز، الذي نتمنى أن يجد طريقاً للنجاة عوضاً عن الغرق في دوامة الصراعات المسلحة المدمرة.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً