اراء و أفكـار

غضب في وقته

إذا صح ما تناقلته التقارير عن تلقي قيادة الاحتلال «الإسرائيلي» تحذيرات شديدة اللهجة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في حال أقدمت على هدم قرية «سوسيا» في الضفة الغربية المحتلة، فهذا تطور يستوجب التوقف، ويؤكد أن من يصنفون «حلفاء» لهذا الكيان أصبحوا يضيقون بسياساته وانتهاكاته المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني. وأصبحت كل دولة، تحترم نفسها، تشعر بالعار حين تتغاضى عن هذا الوضع ولا تبادر إلى وقفه أو الاحتجاج عليه.
ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الكيان الغاصب لانتقادات غربية شديدة اللهجة ومن مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية والعواصم الأوروبية، ولكن الجديد أن مشاريع الاستيطان وأعمال هدم البيوت وتجريف الأراضي التي تسارعت في الأيام الأخيرة أثارت الانتباه إلى المخططات الخطيرة في الأراضي المحتلة بما من شأنه أن يفاقم التوتر في الأراضي المحتلة ويدفعها مجدداً إلى حافة الانفجار. ومن الواضح أيضاً أن الرسائل والشكاوى التي تقدمت بها السلطة الفلسطينية إلى المجتمع الدولي بخصوص قرية «سوسيا» قد وجدت من يستمع إليها، وبذلك نجحت في انتزاع «غضب غربي» لا يتاح دائماً لإدانة كيان الاحتلال وإجراءاته العنصرية المنافية لأبسط مبادئ حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي.
«سوسيا» تلك القرية المتواضعة جنوبي الخليل، صمد أهلها الفقراء لأكثر من ثلاثين عاماً، وبأبسط الأدوات قاوموا كل إجراءات الهدم والتهجير، وبعدما أحيل مصير قريتهم إلى عهدة وزير الحرب المتطرف أفيغدور ليبرمان، المهووس باغتصاب المزارع والقرى وإقامة المستوطنات خصوصاً في أكناف القدس المحتلة والخليل، وازدادوا صبراً وتشبثاً بأرضهم، ولهم في قرية «العراقيب» في النقب المحتل أسوة بعدما قاومت تلك القرية البدوية أكثر من 100 عملية هدم وما زالت أوتاد خيامها ثابتة في الأرض، وهو درس ينسحب على مختلف المدن والقرى الفلسطينية التي تتعرض لعمليات استيطان وتهويد واسعة النطاق، وبإمكان أهلها أن يحبطوا كل هذه المخططات إذا وجدوا وراءهم دعماً عربياً ودولياً ينصفهم ويقول للمعتدي: لقد تجاوزت فكفى.
طوال الأشهر والأسابيع الأخيرة صعَّدت سلطات الكيان من استفزازها الجنوني في الضفة الغربية، وفي استهتار صريح بالحقوق الفلسطينية والإرادة الدولية أطلقت هجمة استيطانية مسعورة تقضي ببناء مئات الوحدات السكنية لليهود، بينما يتعرض المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس إلى اقتحامات وتدنيس شبه يومية. ولا يبدو أن هذا التصعيد سيتوقف طالما لا يجد رادعاً قوياً من المجتمع الدولي يتجاوز بيانات الشجب والتنديد، وهو ما يضع على عاتق السلطة الفلسطينية والجامعة العربية مسؤولية التحرك في الاتجاهات كافة لا سيما في اتجاه الغرب.
عندما تحذر الولايات المتحدة وأوروبا كيان الاحتلال من «رد فعل غير تقليدي» إذا هدمت قواته قرية «سوسيا»، فهذا غضب في وقته لأنه يتضمن اعترافاً صريحاً بأن ما يفعله هذا الكيان قد تجاوز كل الخطوط الحمر، وأن الفلسطينيين على حق في كل ما يفعلونه طالما أنهم يدافعون عن وطن يذوب كل يوم بفعل القمع والتهويد والاستيطان.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً