اراء و أفكـار

اليمن وعجائب الطغاة!

حفلت مناورات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الأخيرة بالكثير من الرسائل المهمة بدءاً من وصفه ـ في تصريحات أطلقها يوم أول أمس السبت ـ المملكة العربية السعودية بـ«الشقيقة الكبرى» ودعوته للحوار معها «في أي مكان تريده»، مروراً بإعلانه الاتفاق مع جماعة «الحوثيين» على تشكيل «مجلس سياسي أعلى» لإدارة البلاد يوم الخميس الماضي، وليس انتهاء بالمعارك الكبيرة التي شنّتها قواته المشتركة مع الحوثيين على الحدود السعودية والتي أدت لمقتل سبعة عسكريين سعوديين والعشرات من جنوده (وهناك أقوال ترفع رقم ضحايا المعارك الأخيرة من الحوثيين والقوات التابعة لصالح إلى ما يقارب المئة قتيل).
جاءت هذه المناورات السياسية والعسكرية قبيل إعلان الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي بقيادة الرياض موافقتها أمس الأحد على اقتراح تقدّمت به الأمم المتحدة لحل النزاع والذي يشمل تسليم صالح وحلفائه السلاح وانسحابهم من العاصمة ونطاقها الأمني ومدن أخرى وحلّ المجلس السياسي الذي شكّلوه قبل أيام لإدارة البلاد والإفراج عن الأسرى والمعتقلين على أن يبدأ حوار سياسي خلال 45 يوماً من التوقيع على هذا الاتفاق.
تمثّل خطوة إعلان المجلس السياسي الأعلى بالتواقت مع معارك الحدود السعودية تصعيداً كبيراً من قبل صالح يتقصّد منه عدّة أهداف: الأول هو إعادة تسليم كوادره السلطوية ومحازبيه في «المؤتمر الشعبي» إدارة الدولة اليمنية بدلاً من الحوثيين (رغم أن الإعلان يتحدث عن تشكيل مجلس سياسي أعلى معهم)، ويتقصّد الهدف الثاني التصويب على شرعيّة حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يرافقه تقديم عرض للرياض بجهوزيته للعمل «وكيلاً» لها بدلاً من هادي (اقترح صالح على المملكة إعطاء فيلات ومنازل في السعودية لحكومة هادي كما فعلت مع أنصار الإمام محمد البدر حميد الدين الذين فرّوا إلى المملكة بعد ثورة عام 1962).
تظهر هذه التحرّكات الأخيرة صالح بمظهر اللاعب السياسي والعسكري الكبير غير أن تعريضها بحكومة هادي يتضمّن أيضاً، بشكل غير مباشر، عرضاً آخر بضبط حركة الحوثيين وإعادتهم إلى صعدة التي انطلقوا منها.
يتجاهل صالح واقعتين كبريين: الأولى هي الثورة اليمنية التي قامت ضده بتاريخ 11 شباط/فبراير من عام 2011 لإسقاط منظومة حكمه، والثانية عمليّة إنقاذه وعلاجه والاتفاق الذي وقعه إثر مبادرة خليجية للتنازل عن السلطة وتسليمه سلطاته لنائبه هادي في 21 شباط/فبراير 2012.
أثناء الواقعة الكبرى الأولى تصرّف صالح بالطريقة المخادعة نفسها التي يتصرّف بها اليوم: لقد أعلن وقتها أنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية جديدة ولن يورث الحكم لابنه أحمد! وها هو اليوم يريد أن يقنع السعودية بكرّ شريط الأحداث إلى الوراء ونسيان آلاف القتلى والجرحى والمعوقين والمدن المهدمة والمحاصرة وملايين اللاجئين الذين تسبب تمسكه بالسلطة بمأساتهم، كما يطالب الرياض، عمليّاً، بنسيان قتلاها وضحاياها والخراب الكبير الذي تسبب لها فيه.
يقول صالح، بهذا المعنى، إنه مستعد لخيانة حلفائه الحوثيين، وخيانة وعوده الأولى السابقة التي أطلقها للشعب اليمني قبل أن يهدر كمّ الدماء الكبير هذا، وخيانة قرار تسليم سلطاته لهادي الذي كانت دول الخليج عرّابة تأمينه، وخيانة السعودية التي أنقذت حياته وأمّنت رجعته الآمنة إلى بلاده، وأخيراً وليس آخراً، خيانة اليمنيين الذين ضحّوا بأرواحهم للتخلّص من نظامه، وهو يأمل بعد كل ذلك أن يعود للسلطة.
أيّ خيال جهنّمي يتمتع به الدكتاتور العربيّ؟

نقلا عن “القدس العربي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً