اراء و أفكـار

تصنيع اليأس

يبدو أن الكيان الصهيوني وجد حلفاء في كثير من الأماكن من أجل خلق حالة من اليأس في الشعب الفلسطيني. ففي الأرض المحتلة ليست إجراءاته حماية لأمنه كما يحاول جاهداً أن يقنع الآخرين بذلك. وهي ليست من أجل تحقيق أهدافه في الاستيطان أو في مصادرة الأراضي أو في الهيمنة على الموارد الطبيعية أو غيرها فحسب. هي كل ذلك بطبيعة الحال، ولكن الغاية النهائية التي في تحقيقها يتم تحقيق ما سبق هي زرع اليأس.
فكل الضجة والإعلام الذي يرافق سياساته هي لخلق القناعة لدى الفلسطينيين أن ما يتطلعون إليه ليس هدفاً وإنما سراب. بعض الضجة وبعض الإعلام قد يكون مباشراً، ولكن في معظمه يأس مبثوث في ثنايا السياسات والتقارير الدولية.
فحينما يذهب الكيان بعيداً في ردود فعله، فهو يريد التأكيد على أن مقاومة الفلسطينيين مهما كانت سلمية أو غير ذلك، هي نوع من العبث الذي لا طائل منه. فالاحتجاج على الاستيطان يولد استيطاناً أكبر، والتظاهر ضد القتل والاغتصاب يقود إلى مضاعفتها، والتذمر من الإجراءات الأمنية يجلب أشد منها.
اللجنة الرباعية تساهم في ذلك بطريقة أسوأ. فهي حينما تجعل الضحية مسؤولة عما يحصل لها إنما تحاول إقناع الفلسطينيين بأن لا أمل لهم إلا بالانصياع لكل ما يطالهم وينال من حقوقهم. والأمم المتحدة حينما تطالب الفلسطينيين بأن لا يقاوموا بل تدين هذه المقاومة التي يكفلها الميثاق التي هي مسؤولة عن صيانته إنما تؤكد للفلسطينيين أنهم عبثاً يبحثون عن العدل لديها، وأن من الأفضل لهم الإذعان للحال الذي يجدون أنفسهم فيه. وحينما لا يتحرك الأخ والصديق لنجدتهم والوقوف معهم فهو إيحاء بأن لا خيارات أخرى غير الحال الذي يجدون أنفسهم فيه.
هذه كلها بمجملها وبتفاصيلها تجعل المراقب عن كثب لا يرى فيها بالنسبة للفلسطينيين إلا صناعة لليأس، لكنها صناعة في ذاتها يائسة وبائسة، لأنها تناقض النفس البشرية وما جبلت عليه. الناس لو فطرت على القبول بالحال لما حصل التقدم عبر القرون. والتاريخ يشهد بأن الجماعات، وليس الأفراد، في عمومها كثيراً ما أحبت أن تكون تحت الأرض على أن تكون فوقها ذليلة مسلوبة الإرادة. ولكننا لا نحتاج إلى التاريخ حتى نستدل على ذلك.
فيكفي أن ننظر في تاريخ الشعب الفلسطيني، فكلما اشتدت عليه الأزمة كلما ازدادت مقاومته، وكلما تخلى عنه من حوله تضاعفت همته. وهو بهذه المقاومة وتلك المهمة إنما يزرع اليأس في من يخططه له. وهذا لا يحتاج إلى بيان، فشتان بين من يغتصب الحياة وبين من يناضل للحفاظ عليها.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً