اراء و أفكـار

حادثة دالاس: تهمة الإرهاب محجوزة للمسلمين فقط؟

بعد حادثة دالاس التي قتل فيها قنّاص أمريكيّ خمسة رجال شرطة واصابة ستة آخرين ألحّ على بال كثيرين سؤال منطوقه: لماذا لم تقل أي وسيلة إعلامية أمريكية (أو تلمّح حتى) إلى أن الهجوم هو عمل إرهابي، وتساءل آخرون على وسائل التواصل الاجتماعي عمّا كانت وسائل الإعلام ستسمّي الهجوم لو اكتشفت أن المنفذ اسمه محمد وهل كان الوصف سيظل «إطلاق نار» أم سيتحوّل، بالضرورة، إلى «إرهاب»؟
لقد صار من الأمور الطبيعية أن يضع أي حادث في العالم المسلمين في واجهة المتّهمين الافتراضيين حتى يثبت العكس، وصاروا مع كل حدث عنيف يحدث (باستثناء الزلازل والبراكين والأعاصير) يشعرون بالقلق كأن على رؤوسهم الطير، ويترقّبون أن يتكشّف اسم المنفّذ وجنسيّته وطائفته الدينيّة ليصبحوا موضوعا إعلاميّا وجماهيريا للغضب والانتقام والثأر والعنصرية والانتهاك والإذلال (بما في ذلك في بلد عربيّ «ديمقراطيّ» كلبنان)، أو تنكشف مسؤولية الحادث عن شخص غربيّ أبيض (من أصول قوقازية كما يقولون في المسلسلات البوليسية الأمريكية) فيستبدل تعبير الإرهابي إلى «مختل»، أو تستقر الاصطلاحات ضمن توصيفات حياديّة من قبيل «إطلاق نار» أو «حادث إجراميّ» ويتمّ تركيز الحديث على لوبي الأسلحة الأمريكي، وأحياناً إلى منظمات التفوّق العرقي الأبيض (كما حصل في اغتيال النائبة البريطانية جو كوكس) من دون الإشارة إلى خانة الديانة أو علاقة هذه التنظيمات بجماعات التديّن المسيحي المحافظ في أمريكا وأوروبا ويعطى المسلمون استراحة قصيرة من تهمتهم الأبدية: إرهابيون.
حادثة دالاس، من ناحية ثانية، تدلّ أيضاً على مظلوميّة لا تستطيع وسائل الإعلام الشعبوية تأطيرها بموضوع الإرهاب والمسلمين، ولكن اللعبة هنا هي تخفيضها إلى قضايا لوبي السلاح، كما فعل أوباما، بدلاً من ربطها الشائك بالحرب الاجتماعيّة الضاربة في أمريكا.
الحادثة إعلان عن ارتفاع في مستوى غضب السود الأمريكيين من معاناتهم المستمرة مع أجهزة الشرطة فالمنفذون اختاروا توقيت عمليتهم أثناء اجتماع احتجاجي على عنف الشرطة الأمريكية بعد مقتل شابين أسودين جديدين الثلاثاء والأربعاء الماضيين (هناك 500 أسود قُتلوا على يد الشرطة خلال هذا العام، بحسب «بي بي سي»)، وأحد المنفّذين قال صراحة، بحسب وكالات الأنباء، إنه كان يريد قتل رجال شرطة بيض.
رفع مقتل رجال الشرطة الغرائز العنفيّة والعنصريّة بسرعة وقد عبّر عن ذلك نائب أمريكي سابق يدعى جو وولش حيث نشر مباشرة تغريدة على «تويتر» قال فيها: «هذه صارت حرباً الآن. انتبه يا أوباما. أمريكا الحقيقية قادمة باتجاهكم»، والمعنى الذي فهمه الأمريكيون هو التهديد المباشر للرئيس أوباما، إضافة إلى اعتباره أن البيض هم الشرطة وأنهم هم «أمريكا الحقيقية» بينما السود (بمن فيهم أوباما) هم خصومها.
المسلمون في أمريكا انتبهوا إلى «حصّتهم» المكتومة في هذه الحرب الأهلية الكامنة فقالت إحداهم: «إذا قام أحد منا بالتهديد بقتل الرئيس الأمريكي فسوف ينتهي به الأمر في غوانتنامو»، وطالبت وكالة الأمن الاتحادية الأمريكية (إف بي آي) بضرورة التصدّي للسيناتور العنصريّ: «أرجوكم تعاملوا مع هذا الإرهابي المتطرف»!
الحرب الاجتماعيّة، بهذا المعنى، هي حصّة السود والأقليّات في أمريكا، والحرب الأيديولوجية هي حصّة المسلمين في امريكا والعالم.

 

نقلاً عن “القدس العربي “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً