اراء و أفكـار

الديكتاتورية الدولية أكثر إجراماً من المحلية

مصطفى زين

لم يتطرق التحقيق البريطاني في الحرب على العراق إلى الجوانب السياسية. كانت مهمة لجنة تشيلكوت محصورة في الجانب القانوني لتلك الحرب وتورط لندن فيها، وخسارة 139 جندياً، ثم عشرات آلاف العراقيين، ومدى تضليل رئيس الوزراء السابق توني بلير البرلمان للحصول على موافقته، بناء على تقارير كلنا يعرف أنها كانت مزورة، أو مبالغاً فيها. تم تغيير هدف الحرب من نزع أسلحة الدمار الشامل المزعومة إلى تغيير النظام وإطاحة صدام حسين، من دون أن يكون لدى المحتلين خطة لما بعد إطاحته، ما أوقع البلاد في فوضى ما زالت مستمرة حتى اليوم.
هذه الأمور مهمة بالنسبة إلى البريطانيين، وإلى نظامهم الديموقراطي، ومهمة لاستخلاص الدروس، على ما جاء في التقرير، كأننا أمام حكاية للأطفال يجب أن تكون خاتمتها درساً أخلاقياً. أي أن الحروب المقبلة يجب أن تكون مدروسة أكثر ومطابقة للقوانين. وليس مهماً مَن وضعها ومَن ينفذها، أو مَن كلف بريطانيا وأميركا إدارة العالم وتغيير الأنظمة أو دعمها.
ولأن طبيعة لجنة التحقيق قانونية، لم تتطرق في تقريرها إلى الجوانب السياسية والأهداف الإستراتيجية للاحتلال، ولا إلى ما سبق الحرب من تجويع الشعب العراقي على مدى 13 سنة، وموت مئات آلاف لأطفال، قبل الكارثة الكبرى. وطبعاً لم يذكر دور المحافظين الجدد وسعيهم إلى تدمير كل ما يشكل خطراً على إسرائيل، وانتماء بلير إليهم لتحقيق أهدافهم «المحفورة في الكتب القديمة» وتكليف جورج بوش تحقيقها. ولم يستعرض نظريات كوندوليزا رايس في الشرق الأوسط الجديد، ولا الصراع على مصادر الطاقة، أو تطويق إيران وردع سورية، ووضع حد لكل من يعارض أوامر واشنطن وتعتبره خطراً على مصالحها الممتدة على مساحة العالم كله، ولا إلى تحويل بغداد عاصمة للديموقراطية في المنطقة. وكل هذا معلن في أدبيات السياسيين الأميركيين ودراسات مراكز الأبحاث، مرفقة بنصائح لتحقيق ذلك بالحروب والتدمير، وكرره المسؤولون في خطبهم وتصريحاتهم الصحافية التي شيطنت صدام حسين ومعه جميع العراقيين، بمن فيهم المتعاونون مع «سي آي إي».
وسط هذا المناخ تم تدمير العراق، مؤسساتٍ وبنى تحتية، وعُين بول بريمر حاكماً مطلقاً، فحل الجيش، وعَين مجلسَ حكم ساعد الاحتلال في استكمال التدمير، وفي وضع دستور على أسس طائفية وعرقية ومذهبية، بحجة إنصاف كل «المكونات». وازدهر الإرهاب. انتشر تنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين. تنظيم مكلَّف مما وراء الطبيعة بالقضاء على الكفر والإلحاد، مثله مثل بوش، الذي سمع نداء من السماء يحضه على تدمير بابل. قدم أبو مصعب الزرقاوي من الأردن والتحق به أنصار «القاعدة» من أفغانستان وكل البلدان العربية. ثم شكلت ميليشيات شيعية مقابل ميليشيات سنية. واستدرك الاحتلال الأمر فشكل «الصحوات العشائرية» وسلحها ودعمها. ولا ننسى أن الفوضى العراقية انتشرت في سورية وتتمدد في اتجاه الدول المجاورة.
خلفية الحرب على العراق كانت أيديولوجية استعمارية، لا علاقة للقوانين المحلية أو الدولية فيها. حرب سببها جيواستراتيجي استُخدمت فيها، مثل كل الحروب الاستعمارية، مبررات إنسانية وشعارات براقة، من قبيل نشر الحرية والديموقراطية والتخلص من حاكم يقتل شعبه. لكن تبين أن الديكتاتورية البريطانية – الأميركية فاقت في جرائمها وبشاعتها الديكتاتورية المحلية.
من حق لندن أن تخضع حروبها للقوانين، ومن حقها التحقيق في خرقها. لكن من حقنا الإضاءة على خلفيات هذه الحروب والطعن في شرعيتها.

نقلاً عن ” الحياة اللندنية “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً