اراء و أفكـار

المعركة المثلى ضد الإرهاب

تكاد المعركة التي تخاض في ليبيا ضد الجماعات الإرهابية لا تأخذ حقها في الإعلام الدولي قياساً بمعارك أخرى من السياق نفسه تجري في سوريا والعراق. فما يتحقق في الميدان الليبي من إنجازات عسكرية في سرت وبنغازي وأجدابيا حري بالانتباه، على الرغم من ثمنه الباهظ نسبياً بالنظر إلى الخسائر الجسيمة في القوات الليبية المقاتلة والمدنيين.
هناك بعيداً عن عدسات الأخبار أخذت الحملات على الجماعات الإرهابية، ومنها تنظيم «داعش»، منحى تصاعديا أظهر تصميماً غير متوقع لإتمام المهمة، رغم أن القوات التي تقاتل الإرهاب غير موحدة، بل وتتنافس في ما بينها على سحق الإرهابيين في معاقلهم ومن ثم البحث في ما يأتي، أو هكذا يبدو. فالفرقاء السياسيون، سواء في طرابلس أو في الشرق، يعرفون أن مكافحة الإرهاب واجتثاثه أمر لا يحتمل التأخير، وإنجازه سيسمح بمعالجة الخلافات السياسية بعيداً عن لغة التهديد والابتزاز والسطو والخطف التي اعتمدت سابقاً. وأسفرت المنافسة بين حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج وحكومة طبرق، التي يأتمر بأمرها الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر، عن تحرير معظم أحياء سرت بالنسبة إلى الأولى، وتحرير مناطق استراتيجية في بنغازي وأجدابيا بالنسبة إلى الثانية.
وما زالت العمليات متواصلة، وتؤكد كل المؤشرات أنها ذاهبة إلى الحسم وإلحاق الهزيمة بالجماعات الإرهابية وبمن يشككون في الانتصار عليها خصوصاً من المولعين بالاقتباس والقياس على معارك أخرى تجري أيضا لمكافحة الإرهاب، ولكنها لا تحقق النجاحات المطلوبة، رغم ما يتوفر لها من تحالفات وعتاد وأموال ومرتزقة وإعلام لا يجارى في التضخيم والتفخيم.
من الممكن جداً أن ينجح الليبيون سريعا في القضاء على الجماعات الإرهابية وتطهير مدنهم وقراهم بمساعدة دولية، وسبب تحقيقهم النصر يعود إلى أن المجتمع الليبي غير الطائفي ولا يمكن اختراقه من هذا الباب. أما في ساحات مثل سوريا والعراق، فهناك صعوبة كبيرة في القضاء على الإرهاب، بسبب الحشود الطائفية الواسعة على كل الجبهات، والحروب الإعلامية الجارية بين هذه الفئة والأخرى بما يحرم المنطقة من التهدئة ويضعها دائما في أتون نار فتنة حامية. وما يجري في أغلب المعارك، يؤكد أن الأصوات العالية في الدعوة إلى مكافحة الإرهاب عجزت عن تحقق إنجاز يقنع بأنها جادة وصادقة في نواياها المعلنة، والأمثلة أكثر مما تحصى.
محاربة الإرهاب تواجه معضلة كبيرة تتمثل في الإصرار على الشحن الطائفي وتغذية الصراعات والتهاون في معالجتها بطريقة مثلى، ففي الوقت الذي تجري فيه معركة الفلوجة مثلاً، تأتي التقارير عن التجاوزات الطائفية المرتكبة لتنغص النصر المعلن. وفي سوريا هناك إصرار غريب على إطالة أمد الحرب لأهداف طائفية بحتة، ومن أجل ترك المنطقة بكل طوائفها وأعراقها تتناحر إلى أجل غير مسمى. وأبداً لن يولد من هذا الجنون خير لأحد. أما إذا كانت هناك إرادة فعلية لاجتثاث الإرهاب، فالأمر أسهل ما يكون وشرطه الوحيد وقف المضخات الطائفية وإعلاء العقل الإنساني على الغرائز والميول والأهواء، فالحروب قد تبدأ بالزلل والهوى، ولكنها حتماً تنتهي بالحكمة.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً