ثقافة وفن

كشف أحداث لم تحصل بعد في “نص يوم”.. منها قتل “ميّار” للمحقق وتفاصيل أخرى

مسلسل نص يوم

يمكن تلخيص مسلسل «نص يوم» بجامع الأضداد والمتناقضات تحت سقف واحد. يعرض قصة الغدر التي ستستحيل وفاءً، والموت الذي يثبت الحياة. يكشف أصالة «الزيتون البكر» بأداء غالبية الممثلين، بخاصة تميّز تيم حسن ومن خلفه نادين نسيب نجيب، ونتاشا شوفاني من بعدهما. هؤلاء لم يمروا من حالة درامية إلى أخرى في بناء الشخصية، بل صنعوها بالعيش فيها أمام الكاميرا. لكن العمل المشترك يجمع أيضاً الحبكة المشدودة مع الهجينة دائماً، والصورة الباهرة مع المستنسخة بلا لزوم، والدقة في الإخراج غالباً مع الإستسهال فيه حيناً!

«إذا أردنا أن نعرف ماذا في البرازيل، علينا أن نعرف ماذا في إيطاليا». لازمة ساخرة يكررها «حسني البرظان» في مسلسل «صح النوم». وتنطبق على مسلسل «نص يوم» الذي تعرضة «أم بي سي دراما»، فلمعرفة ما فيه وما سيحدث في الحلقات المقبلة إلى النهاية، يمكن ببساطة الإطلاع على بعض النتاجات الفنية من حول العالم. يُحسب للشركة المنتجة «الصبّاح للإعلام» مناقبية عالية ودقيقة في عدم نسب العمل إلى «مؤلف»، بل إلى «سيناريو وحوار» باسم سلكا و«إعداد» وإخراج سامر البرقاوي، وذكرها فريق الإعداد عن قصص أجنبية، في حين تقوم أعمالٌ أخرى باقتباسات او استنساخات او سرقات أدبية، وتدعي «التأليف».

في المضمون، لا تعفي أمانة فريق العمل، وعلى الأرجح نيته في تقديم دراما «مشوّقة» جديدة في بلاد الشام، وقوعه في مطبات عدم تأسيس بناء درامي ولا حتى الاكتفاء باقتباسه أو استيحاء فكرته، بل قفزه إلى تجميعٍ «من كل وادٍ عصا»، فتأتي نتيجة التزاوج الإيجابي والمشروع بين الفنون من أدب وسينما وتلفزيون وغيرها، بنتيجة سلبية عكسية في «نص يوم» عبر أحداث معروفة سلفاً من قبل المشاهدين «من دون جميلة النقاد والصحافيين»، وبلا رؤية أو حتى وجهة نظر جديدة أو خاصة، فلم تنفع سرية عمليات التصوير.

وفي التفاصيل، ينطلق المسلسل منذ الشارة بالاعتماد على مثيلتها في المسلسل الأميركي «المحقق الحقيقي» (2014). ويستمر بأحداث رواية «فالس إلى العتمة» (كورنل وولرتش تحت اسم ويليم ايريش المستعار 1947) ومما اقتبس منها في فيلمي «حورية الميسيسيــبي» (1969) و«الخــطيئة الأصـلـية (2001). يسـتبدل تاجر القهوة بتاجر الزيتون مع الإبقاء على الانخداع بهوية الحبيب من النظرة الأولى، والخزنة بدفتر الشيكات، ثم هربها مع شريكها في الاحتيال، قبل أن تأتي الحلقة الثامنة بأحداث من فيلم «التركيز» (2015) وجمل حرفية المضمون كـ «عليك التركيز (الاستمرار باللعب في المسلسل) إلى آخر لحظة». كما يظهر في الإعلانات الترويجية واللوحات المرسومة مطابقاً لنظيره في فيلم «العرض الأفضل» (2013). وهنا، يوقع «الإعداد» النص المركب في هفوات تتعارض مع منطق الشخصيات أحياناً. مثلاً «ميّار» الطيب والودود والحريص على عمال مصنعه وحقوقهم، لا يبالي في الوقت عينه بالتخلص من اليد العاملة المصنعة لزجـاجات الزيت من أجل زيادة الأرباح.

وتضع هذه السطور نفسها على المحك، عبر كشف بعض أحداث الحلقات المقبلة الموافقة لمصادر الأعمال الأجنبية والكثيرة جداً، مع التحفظ المتعمد عن ذكر النهاية «الحزينة» في شكل واضح: «سيجد ميّار من سرقت قلبه لا ماله، من دون ثأر، بل ليتورط بحبها أكثر ويقتل المحقق الذي يسعى خلفها ويدفنه بيده حيث خبأ حبيبته في حي شعبي، محاولاً السفر إلى بلد آخر، فينجح بعد فــشلٍ بالهرب معها إلى تونس، ولكن «جابر» خلفهما… العاشقان لن ينفصلا في الحب بل في القدر. صاحبة الوشم ستفي «ميّار» حق حبه بأغلى ثمن ممكن لإنسان.

من حيث الشكل، يبرز الاهتمام الكبير بجمالية الصورة كالاعتماد على البيوت اللبنانية التراثية مجدداً، ولو أحياناً على حساب الواقع. مثلاً مشهد القبور المرصوفة في شكل دائري. ويقتنع المشاهد بدقة التفاصيل مثل منزل «يارا» المصمم بحرفية لـ«مضيفة» طيران»، وأيضاً بالتأني في «القطعات» التي تربط العين بالحدث أكثر فأكثر، بخاصة بين حسن ونجيم. ولكن المفاجأة تكمن في سقوط المخرج في بعض الإستسهالات التي لا تغالط منطق الجغرافيا والمشهدية. مثلاً في أحد مشاهد الحلقات الأولى يقود «ميار» سيارته والبحر على يمينه، ينظر والعدسة إلى الهاتف، تعود الكاميرا إليه بعد ثوان والبحر على يساره، في مشاهد تعتمد على «كروما» (تصوير المشهد على خلفية ذات لون أخضر، ثم تعديلها ببرامج الغرافيك) والتحكم فيه سهل جداً تقنياً.

وأيضاً في الحلقة الـــثالثة في مشهد حـــوار طـــويل بين «ميّار» و«يارا» على كورنيش البحر، يمر أمام المشاهد المتنزهين أنفسهم (6 من الكومبارس) مرّة بعد مرّة في خلفية البطلين، وبعضهم في كل مرّة من اليمين إلى اليسار في دقائق معدودة، باستسهال يعارض الكلفة الإنتاجية العالية والواضحة والدقة في مشاهد أخرى!

وتكمن القيمة الأبرز في العمل بأداء الممثلين. يتفوق حسن حتى الآن على الجميع، هو حالة خاصة في دراما بلاد الشام هذا العام، لم يخرج من البناء الدرامي للشخصية ولو في طرفة عين على رغم تقلب وضعياتها، فخطط مسبقاً لكل حركة ورد فعل بالعين والنفس حتى، من حبيب مكلوم بحبيبة ميتة، إلى عاشق مراهق أعمى، ومن ثم إلى مكلوم بحب خادع. يثبت حسن أن نكبة «ميار» ليست في الخديعة، بل في خوفه من خسارة الحبّ.

وتجيد نجيم في تمرير رسائل المحتالة بعينيها في كل لحظة حب مع «ميّار»، وأيضاً بعض حركات «يارا» المُنتحلة، كوضع إصبعها في فمها بغنج ودهاء. وتظلّ شوفاني الاكتشاف الأبرز في «نص يوم»، لم تساعدها أدوارها الماضية على إظهار قدراتها، في حين «ليال» تبكي من دون أن تنكّد عيش المشاهد، تفقد الأمل بصمت المشهد وصراخ العيون.

في «نص يوم»، تفوق الممثل على «نصوصه» كفيل بشد المشاهد على رغم عبارة نجيم في الحلقة الثالثة: «وين سامعة هالجملة… بأي فيلم؟».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً