اراء و أفكـار

دفاعاً عن محمد المسفر

دفاعاً عن محمد المسفر

 

ليس من طبعي الدخول في جدل شخصي على الملأ مع أحد، ففي ظني ان الناس أحرار في مواقفهم وأنهم يتحملون مسؤولية ذلك، وفي الغالبية العظمى من الحالات لا يتراجع أحد عن موقفه حتى لو بدا خطأ، لذلك فلا داعي للدخول معه في جدال لن يفضي إلا للتوتر وسوء التقدير والفهم.

لكني في حالة الدكتور محمد المسفر لم يكن بمقدوري الصمت، وتجاهل آراء ومواقف سيئة صدرت بحق الرجل؛ لأن الأمر ما عاد مجرد رأي أو وجهة نظر بل هو موقف من عراقيين تجاه مفكر قومي ناصر العراق في أصعب مراحله، ولم ينفك يدافع عنه وعن خياراته الوطنية الرافضة للاحتلال ونتائجه بالسر والعلن.

والذين هاجموا المسفر لكلمة قالها في مؤتمر باريس لم يكتفوا بتجاهل تاريخ الرجل الأبيض ومواقفه الناصعة تجاه الأمة ولا سيما العراق، لكنهم تحدثوا بطريقة لا تنم بصلة إلى الكتابة الموضوعية التي تحاجج الفكر بالفكر والرأي بالرأي، وذهبوا فوراً إلى التعريض الشخصي والهجوم المسف الذي أترفع عن وصفه.

وربما حاول بعض من كتب أن يتلمس طريقة مهذبة لمعاتبة الرجل على ما قال في المؤتمر، لكن التهذيب كان غالباً ما يضيع بين جمل حادة لم يكن لها داع من الأساس، فقد عبر الرجل عن موقف أو رؤية وكلنا نصيب ونخطئ، لكن ميزان الرجال هو سلوكهم في السراء والضراء، فإذا ما صدر منهم قول لا يرضينا، لن نذهب فوراً إلى هذا النمط من التجريح والنقد القاسي ومهاجمة الرجل وليس الفكرة، متناسين كل مواقفه البيضاء أيام الحصار حينما لم يكن أحد يجرؤ على أن يقول كلمة خير بحق العراق.

والمفارقة أن معظم من كتب ضد المسفر، هم ذاتهم الذين هاجموا مؤتمر باريس قبل انعقاده، وكأنهم أرادوا معاقبته على مشاركته الفاعلة في المؤتمر، وتشجيعه للمشاركين فيه على العمل الجاد لتأسيس كيان سياسي عراقي معارض ذي معنى وقدرة، لكن هؤلاء لم يجرؤوا على مهاجمة شخصية عربية مهمة أخرى شاركت في المؤتمر وامتدحته، لأنهم أضعف من أن يواجهوا غضب هذه الشخصية المحترمة في بلادها التي تؤويهم.

شخصياً اعتبر ما كتب بحق المسفر إسفافاً، ونكران جميل، وتنكيلاً بصورة العراق، واعتبر من رضي لنفسه أن يكون سكيناً في خاصرة أصدقاء العراق وشعبه، أشخاصاً غير ممثلين للعراقيين وغيرتهم وقدرتهم على تمييز الرجال، والحقيقة أن من هاجم المسفر ومن أوعز بذلك أو رضي بما كتب ضد الرجل، كل هؤلاء أساؤوا للعراق وقضيته حتى وإن قصدوا غير ذلك، ففي النهاية لن نقنع الناس بدعم قضيتنا العادلة ونحن نقدم لهم أسوأ نموذج ممكن لكيفية التعامل مع من قضى حياته وهو ينتصف لقضايا الأمة، ويدافع عن قضية العراق غير مبال بالتيار الجارف الذي كان عليه الوضع منذ غزو الكويت عام 1990، ولا سيما أنه هو بذاته مواطن خليجي وكان يعيش آنذاك وسط أجواء شعبية ورسمية متعاطفة مع الكويت، ومعادية للعراق.

وربما يكون من واجبي في هذا الموضع أن أؤكد أني لم أجد عراقياً لم يستنكر هجوم هؤلاء على المسفر، حتى لو كانوا ضد ما قال الرجل في باريس؛ لذلك يمكنني القول بكل ثقة إن من كتب ضد الدكتور محمد المسفر لا يمثل غير نفسه مهما كان عنوانه، وإن العراقيين “يعرفون أوادمهم”، ولذلك فهؤلاء القلة قد شطوا عن الحق وأوغلوا كثيراً في الخطأ، وبعضهم فقد مع هذا الإسفاف صلاحيته ككاتب أو كسياسي، فلكل شيء حدود، ولن نقبل أن يساء لصورة العراقي بهذا الشكل المسف، وسيكون كل من يهاجم بالعلن وبهذا النمط من الإسفاف والتعريض الشخصي غير المهذب أصدقاء العراق وحلفاء شعبه ومناصري قضيته العادلة أو مشاريعه وتياراته الوطنية، سيكون هؤلاء جزءاً لا يتجزأ من أعداء بلادنا بما في ذلك المشروع الإيراني دون أن تغير ذلك عناوينهم أو مزاعمهم الوطنية.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً