العراقيون و “فيزا” المستشار قاسم سليماني
داود البصري
قفشات وحركات وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري مختلفة عن كل المقاييس المعروفة في الديبلوماسية الدولية! فالرجل، وفقاً لمؤهلاته المعروفة، مشروع أزمة دائم ولاعلاقة له بعوالم الديبلوماسية!. فهو عقائدي متعصب، وطائفي من نمط متميز، وفي أيام رئاسته للحكومة العراقية العام 2005 اندلعت الحرب الطائفية الأهلية في العراق والتي لم تزل مستعرة بوسائل وأدوات أخرى وصيغ مستحدثة. وفي جولته العربية الأخيرة التي زار خلالها القاهرة وعمان أدلى في الأخيرة بتصريح غير مسبوق عن تواجد الإرهابي قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني في العراق. حيث أكد أنه يعمل كمستشار عسكري للحكومة العراقية، وإنه دخل العراق بفيزا!! طبعا لا عاقل يصدق ما تفوه به الوزير التائه في الأفكار و التحليلات الميتافيزيقية القمقمية. فسليماني وقادة أركانه من جنرالات الحرس الثوري الإيراني، وهم رسل الولي الفقيه، لا يطلبون فيزا من وزارة الجعفري والأمر تجاوز النكتة بكثير ليصب في خانة الكوميديا السوداء! فسلطات سليماني العسكرية وقدرته على تحويل و تحريك الميليشيات الطائفية تجعل منه أمير أمراء الحرب في العراق. ومهامه الاستشارية هي في الحقيقة مهام قيادية تتجاوز حتى سلطات وزير الدفاع العراقي الذي يبدو اليوم أشبه باليتيم على مأدبة اللئيم. ألم يرفع الميليشياويون الوقحون شعار (سليماني منا أهل العراق) إذن عن أي فيزا يتحدث إبراهيم آغا الجعفري؟
في حروب الشرق المستعرة منذ أعوام، وخصوصا في الساحتين العراقية والسورية، برز أمراء حرب، وبرزت قيادات ميدانية، بعضها انطفأ نجمه، وبعضها ما زال حيا يسعى ويتحرك ويدير ملفات الصراع بأوضاع ونتائج مختلفة، وقد أفرزت المعارك الأخيرة في الساحتين السورية (حلب وريفها) والعراقية (غرب وشمال العراق) اسم السردار أو اللواء الإيراني قاسم سليماني قائد العمليات الخارجية في فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني بصفة الجنرال الذي لا يقهر، والذي يتنقل بحرية ونشاط بين مناطق الصراع الساخنة في الشرق الأوسط رغم العقوبات الدولية المفروضة عليه والتي تمنعه إفتراضيا من الخروج خارج الحدود الإيرانية؟ إلا أنه يشاهد باستمرار في العراق والشام ولربما أماكن أخرى؟ و تظهر صور عدة له وهو يقود الميليشيات العراقية الطائفية المسماة اختصارا (جحش) وهو يوجهها ويرسم لها الخطط! أو يحدد مسار العمليات حتى كاد أن يتحول ذلك الرجل الإيراني لوزير دفاع متحرك لكل من سورية والعراق وقد حرصت الجماعات الحليفة لإيران في العراق خصوصا على التمجيد والإشادة والتفخيم بل والتعظيم والمبالغة في قدرات ذلك الجنرال وتصويره بأنه منقذ العراقيين من الإرهاب. في واحدة من أكثر الخدع الإعلامية في تاريخ الشرق المعاصر قاسم سليماني الذي يلهج الأتباع بتحويله لأسطورة هو في حقيقة الأمر مجرد عنصر من عناصر جهاز الحرس الثوري، لا يمتلك أية خلفيات علمية ستراتيجية حقيقية، فقد ترعرع وسط أجواء الحرب العراقية – الإيرانية كمتطوع في جهاز الحرس الثوري العام 1979 وعاش مراحل تلك الحرب التي انتهت عام 1988 بهزيمة إيرانية بتجرع كؤوس سم هزيمة القبول بوقف إطلاق النار والتراجع عن المطالبة بالشرط الإيراني الرئيسي وهو (إقامة الجمهورية الإسلامية في العراق) فلم يتحقق ذلك الشرط وقتها وخسر الحرس الثوري مئات الآلاف من القتلى، وانتهى حلمهم الطوباوي، ثم لف الصمت مرحلة الانكفاء على الذات، حتى مرحلة الهجمة الأميركية على المنطقة واحتلال العراق وإسقاط نظامه الذي كان و تدمير البنية التحتية العراقية وايجاد حالة فراغ سلطوي بعد احتلال مدمر، ليلتقط الإيرانيون الفرصة التاريخية ويعيدوا استخدام أدواتهم القديمة في المعارضة العراقية الفاشلة السابقة، ويقدمونهم لمسارب السلطة التائهة في العراق، لتكون الأحزاب العميلة لإيران مثل حزب الدعوة الإرهابي أو عصابة آل الحكيم الإيرانية وغيرها من العصابات الطائفية الرثة هي المهيمنة على المشهد السياسي الجديد في العراق؟، وبعد تثبيت قواعد السلطة الجديدة فتحت بوابات العراق بالكامل أمام مؤسسة الحرس الثوري الإيراني، وأضحت بغداد قاعدة مركزية لهم، وتحولت السفارة الإيرانية في بغداد لتكون مركز القيادة والعمليات ونقطة التحكم بقرارات السلطة في العراق؟، ولن نسهب كثيرا في تتبع آليات التناغم بين السلطة الطائفية و النظام الإيراني فذلك أمر بديهي ومعروف، ولكن مع تطور إدارة الصراع العراقي ونشوء معارضة شعبية عراقية للوضع القائم وانطلاقة الاعتصامات والمطالبة الجماهيرية بالتغيير دقت طهران نواقيس الخطر على مصالحها ومصير عملائها في العراق وجلهم من أهل القمة في النظام السياسي العراقي؟ ،ومارست أسلوب التدخل المباشر في الشأن العراقي من خلال إرسال قيادات حرسية عسكرية لإدارة وقيادة المعارك وفق ترتيبات طائفية بالتنسيق والتعاون مع مراكز الثقل الإيراني من القيادات العراقية الحالية!، والمثير للسخرية أن كل غزوات وانتصارات وفتوحات سليماني المزعومة لم تتأت من قدرات إيرانية حرسية صرفة!، بل من خلال عمليات القصف الجوي الأميركي الذي يغطي ويحمي ساحة العمليات ويتيح لسليماني التقدم أرضيا، أما في الشام ومعاركه الساخنة هناك فإن سليماني لم يحرز أي انتصار! بل على العكس فإن القدرات العسكرية الإيرانية تكبدت خسائر مروعة بعد مصرع الكثير من القيادات المؤسسة للحرس الثوري ومنهم همداني وأسماء معروفة أخرى، ولم تنفع التغطية الجوية الروسية قوات سليماني بل على العكس حلت بقواته هناك هزائم نكراء، ولا توجد موقعة شارك فيها سليماني لم تتوج بهزيمة ساحقة، فالرجل إذن لا يمتلك فكرا ستراتيجيا ولا عبقرية عسكرية مميزة!، وهو قطعا ليس (ثعلب الصحراء ) ولا ( ذئب البراري ) ولا (قط البادية)!.. بل إنه مجرد صورة إعلامية تم النفخ بها حتى انفجرت! سليماني في نهاية المطاف ليس سوى ( حمل كاذب )وحالة دائمة من الهزيمة.
نقلا عن “السياسة الكويتية”