حملة تضليل جديدة
من يستمع لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو ووزير حربه الجديد أفيغدور ليبرمان عن استعدادهما للتفاوض وفق مبادرة السلام العربية التي أطلقت خلال القمة العربية في بيروت العام 2002 ، يمكنه أن يشم فوراً رائحة النفاق والتضليل، ولن يصاب أبداً بالمفاجأة التي أصيب بها البعض ، اعتقاداً منهم أن قادة الكيان تغيّروا أو «نزل عليهم الوحي» وتخلّوا عن أفكارهم العنصرية والعدوانية التوسعية.
قبل عام تقريباً كان نتنياهو قد أعلن أن مبادرة السلام العربية لم تعد تتلاءم والتطورات في المنطقة.. وكان يقصد ما يجري في بعض الدول العربية من حروب وفتن ومشاريع تدمير وتفتيت. لكن هذا المبرر لا يعتد به ولا يجد أدنى مصداقية، لأنه قبل العام 2011 لم يعرف عنه تأييده لا لمبادرة السلام العربية ولا لقرارات الشرعية، بل كان يستخدم المفاوضات مع السلطة الفلسطينية غطاء للمضي قدماً في توسيع عملية الاستيطان والتهويد في كل الأرض المحتلة ، وفرض سياسة الأمر الواقع للحؤول دون إمكانية قيام دولة فلسطينية بأي شكل من الأشكال.
جديد نتنياهو أن مبادرة السلام العربية «تضم نقاطاً إيجابية يمكن أن تسهم في ترميم المفاوضات مع الجانب الفلسطيني».. هكذا اكتشف رئيس وزراء الكيان وبعد 14 عاماً على إطلاق المبادرة أنها تضم «نقاطاً إيجابية».. ولكنه في الوقت نفسه وضع إلى جانب هذا القبول «لغماً» ، هو الاستعداد للتفاوض مع الدول العربية «على تعديلات للمبادرة حتى تعكس التغيرات الكبيرة التي حصلت في المنطقة». والسؤال هو: لماذا اكتشف نتنياهو الآن فقط وجود نقاط إيجابية في المبادرة العربية؟ وما التعديلات التي يريدها والتي تعكس التغيرات الكبيرة؟
المبادرة واضحة ولا تحتاج إلى شرح وتوضيح أو تعديل وهي في محصلتها رزمة يتم القبول بها أو رفضها، وتقوم على مبدأ انسحاب «إسرائيل» إلى حدود 4 يونيو/حزيران 1967 وإقامة دولة فلسطينية معترف بها دولياً وعاصمتها القدس في إطار هذه الحدود، وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، والانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة ومن الأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.. هذا كله مقابل الاعتراف ب«إسرائيل» وتطبيع العلاقات معها.
أما أن يتذكر نتنياهو هذه المبادرة الآن فالأهداف لا علاقة لها بالسلام أو المفاوضات. كل ما في الأمر أنها حملة علاقات عامة لتحسين صورة ائتلافه اليميني المتطرف أمام العالم ، بعد انضمام ليبرمان إليه للظهور بمظهر لا يعكس يمينيتها وعنصريتها وفاشيتها.. ومن ثم التهرب من أي جهد دولي لإطلاق عملية سلام جدّية وفق مقررات الشرعية الدولية، اعتقاداً من نتنياهو أن المبادرة الفرنسية والمؤتمر الدولي الذي تمت الدعوة إليه وفي ظل الرفض «الإسرائيلي» له سوف يحرج «تل أبيب» ويظهرها بأنها لا تريد السلام.
كذلك يحاول نتنياهو إغراء العرب بالتفاوض حول المبادرة من أجل تفكيكها وإفراغها من مضمونها ، بحجة تعديلها كي تتفق مع «التغيرات الكبيرة في المنطقة» التي لم يحددها.
نتنياهو يمارس لعبة خبيثة لإدخال الفلسطينيين والعرب في دوامة مفاوضات جديدة لا تنتهي.
نقلا عن “الخليج”