اراء و أفكـار

ثورة أوباما «الأخلاقية»

الأقوياء لا يعتذرون للضعفاء، فالجلاد والقاتل لا يعتذران للضحية.. هذه هي سنّة الحياة وشريعة الغاب التي فرضها الأقوياء على الضعفاء منذ بدء الخليقة.
لقد حاولت البشرية في مسيرتها أن تضع ضوابط أخلاقية وإنسانية من خلال الأديان والقوانين الوضعية، للحد من سطوة الأقوياء وجبروتهم والتخفيف من الظلم والقهر والاستبداد، ونزعة التسلط والسيطرة والتوسّع على حساب الضعفاء، إلا أن ذلك لم يحقق الهدف بالكامل، إذ إن نزعة الشر ظلت كامنة فيمن يمتلك القوة التي يجيرها في الحروب وما ينجم عنها من توسّع وتخريب وقتل وإبادة وتوحش وارتكاب مجازر بحق الشعوب الضعيفة. وقد مثّلت الولايات المتحدة في العصر الحديث النموذج الفاقع في توحش القوة التي عانتها شعوب كثيرة، بدءاً من أول مهاجر أوروبي وطئت قدماه القارة الجديدة.. وصولاً إلى وقتنا الحالي.
لذا لم يكن مفاجئاً ألا يعتذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، وهو يقف كأول رئيس للولايات المتحدة أمام النصب التذكاري لضحايا أول قنبلة نووية ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية..هو اكتفى بإبداء الأسف، وقال إنه «يشعر بالهلع»…و«يصغي إلى عويل صامت»..لكنه لم يقترب من حد الاعتذار، لأنه لو اعتذر عن جريمة الحرب والإبادة ضد الإنسانية التي ارتكبت في ناكازاكي وهيروشيما وراح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء، فعليه أن يعتذر عن عشرات وربما مئات الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد الهنود الحمر وفي أمريكا الجنوبية والفلبين وفيتنام وكوريا وأفغانستان والعراق..وغيرها من الدول.. وعلى واشنطن أن تعتذر للشعب الفلسطيني عن الدعم الأعمى للكيان الصهيوني واحتلاله للأرض الفلسطينية ، وارتكابه المجازر بحق الشعب الفلسطيني منذ 70 عاماً ولا يزال.
والأنكى أن أوباما تحدّث أمام نصب ضحايا هيروشيما عن «ثورة أخلاقية» دفعته للمجيء إلى هيروشيما..ألا كان يفترض انطلاقاً من هذه الثورة الأخلاقية أن يمتلك شجاعة الاعتذار ؟ أم أنه كان ينتظر الضحايا أن يخرجوا من قبورهم ويقوموا بالاعتذار أولاً؟
ثم قال «فلنتحلّ بالشجاعة معاً لنشر السلام وبناء عالم خال من الأسلحة النووية».. لمن يوجّه أوباما حديثه؟ ومن يمتلك آلاف الرؤوس النووية التي يمكن أن تدمر العالم في لحظة عشرات المرات؟ ومن يقوّض أسس السلام في العالم ويثير الحروب والفتن وخارج الشرعية الدولية ؟ ومن لا يزال يتآمر على الدول والشعوب في أمريكا اللاتينية من خلال الرأسمالية المتوحشة والشركات الأمريكية العابرة للقارات لمنعها من التطور وسلوك نهجها السياسي الخاص بها والتي تتعارض مع المصالح الأمريكية..؟ ومن يقوم بالتدخل المباشر في دولنا العربية ويعمل على تقويضها ونشر «الفوضى الخلاقة» في ربوعها من خلال أدوات ووكلاء بمسميات إسلامية مزيفة، أكد مسؤولون أمريكيون كثر أنهم صنيعة مخابراتهم؟

لم يقدّم أوباما شيئاً جديداً، هو مارس عملية تمويه سياسية فقط لجرائم ممتدة ارتكبتها بلاده، ولم يتحلّ بالشجاعة ولم يمارس«ثورة أخلاقية» كما قال.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً