اراء و أفكـار

في حرية التفكير

مصطفى زين

يكثر المثقفون الأوروبيون المناهضون لإسرائيل. يخرقون جدار الخوف والصمت. يتخلصون من عقدة ذنب لم يرتكبوه. لا يبالون بالحملات الصحافية الموجهة ضدهم. لم يعد أحد منهم يهتم بالقانون المسلط عليهم تحت عنوان معاداة السامية. يعتبرونه مقيداً لحرية الفكر. وعائقاً أمام الأبحاث التاريخية الموضوعية، على ما كتب إدوارد سعيد، ويجعلها سردية إعلامية مكررة ومنحازة، من وجهة نظر رسمية تلامس العنصرية في اتهامها كل مخالف بالنازية.
لم يعد رفض الاحتلال الإسرائيلي وقتل الفلسطينيين وتشريدهم من بيوتهم وأرضهم مجرد احتجاج مثقفين متفرقين هنا وهناك، بل قاطعت جامعات عدة العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية. واتخذت مجالس بلدية خطوات عملية تمنع استيراد وبيع منتوجات المستوطنات، ما أثار هلعاً وسط اللوبي الصهيوني ومؤسساته فهدد باللجوء إلى القضاء.
مثقفان بريطانيان من الوسط الفني والأكاديمي احتجا، كل بطريقته، على الإحتلال الإسرائيلي وممارساته: الأول هو المخرج المسرحي والسينمائي كين لوتش الذي حصل على السعفة الذهبية للمرة الثانية في مهرجان «كان». والثانية هي المؤرخة كاثرين هول المعروفة بدراساتها الأكاديمية عن الاستعمار، خصوصاً الاستعمار البريطاني.
ليس غريباً على كين لوتش أن يعلن، بعد حصوله على السعفة الذهبية عن فيلمه «أنا دانييل بلاك» تضامنه مع الشعب الفلسطيني ويهاجم الاحتلال، فمواقفه معروفة. فقد كرس كل أعماله للدفاع عن الضعفاء والمقموعين، وهو من القلة القليلة التي رفضت تقليد هوليود. ورفض وساماً رفيع المستوى تمنحه الملكة للمتميزين في حقول اختصاصهم، ويخدمون الإمبراطورية البريطانية. وقال: رفضت الوسام فالحاصلون عليه ليسوا أعضاء في نادٍ تحب الإنتماء إليه. والذين يسيطرون على النادي مجموعة من الزعران، فضلاً عن أنه يحمل اسم الإمبراطورية البريطانية وهي الآن مجرد نصب تذكاري يرمز إلى الإستعمار والاستغلال.
هذا كين لوتش، أما المؤرخة كاثرين هول فرفضت جائزة أكاديمية إسرائيلية مقدارها أكثر من مئتي ألف دولار لأنها «أموال ملطخة بالدماء. والمبادئ أهم من ذلك بكثير»، على ما قالت. والجامعة التي منحتها الجائزة متواطئة مع الاحتلال، تعد طلابها للخدمة العسكرية، ومناهجها تزور التاريخ القديم والحديث.
الحس الإنساني والخروج من القطيع، وعدم الخضوع للضغوط وتوهم الوصول إلى المجد من خلال التزلف لهذه المؤسسة أو تلك، كل ذلك دفع كين لوتش وكاثرين هول إلى اتخاذ موقف ينسجم مع دعوتهما إلى حرية التفكير والعمل الجاد. مقابل ذلك نجد مثقفين عرب، وهم يتكاثرون كالفطر، يتهافتون على المؤسسات الإسرائيلية، ويكتبون إرضاء للدولة العبرية وجماعات الضغط الصهيونية، معتقدين بأن الإشادة بهذه الدولة أفضل ما يمكن فعله للوصول إلى «العالمية»، وهذا منتهى البلاهة، فهم لا تقرأهم زوجاتهم ولا أولادهم ولا جيرانهم في الحي. وأكثر ما يحصلون عليه جوائز من دون قيمة من مؤسسات غير معروفة، أو دعوة ليحاضروا في مراكز أبحاث يسمعون المشرفين عليها ما يرغبون في سماعه من شتم للفلسطينيين والعرب واتهامهم باللاسامية. وهذه التهمة بضاعة رائجة لتحصيل «المكاسب»، على حساب حرية التفكير.

نقلا عن الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً