اراء و أفكـار

الأسوأ من «سايكس بيكو»..

أيمن الـحماد
في داخل كل مواطن عربي «سايكس بيكو».. إن رمزية هذه الاتفاقية اليوم تتعدى ما أنتجته الاتفاقية السرية بين رجلين كانا يمثلان القوى العظمى بريطانيا وفرنسا، فالاتفاقية التي مر عليها اليوم 100 عام تذكر العرب بأنهم لم يكونوا أصحاب أهلية تخوّلهم تقرير مصيرهم، وكانوا ينتظرون أن يتم تقاسم أراضيهم ومعها إنسان تلك الأرض ليستمر استعمارها هذه المرة من الرجل الأبيض.

نظرة العرب إلى «سايكس بيكو»، أصّلت في نفوسهم نظرية المؤامرة التي يؤمنون بها كثيراً، وأوجدت نسقاً تم فيه وخلاله تقسيم وتقطيع أواصر المنطقة على قاعدة لصوصية، وقد كانت كذلك بعد سقوط الدولة العثمانية.

لدى العرب حنق كبير على التقسيم لأنه فرض حالة من الفرقة نعيش توابعها حتى يومنا هذا، وأبرزها اغتصاب فلسطين دون حول منهم ولا قوة، فرحل شعب وجلب آخر، لذا فنحن اليوم نندد ونستنكر لنقول بأننا هنا.

منذ مطلع عامنا الحالي والحديث يدور حول «سايكس بيكو» جديدة يتم التخطيط لها في المنطقة، التي تضربها موجة اضطرابات شرسة أسهمت في تهاوي بنية دول عربية عدة، وأبرز علامات هذا التهاوي هو الاقتتال الداخلي بين مكونات المجتمع التي وجدت نفسها تحارب بعضها بشكل مخيف، على أعين من صاغوا «سايكس بيكو» فهذه حصيلة التقسيم؛ أنظمة عربية ضعيفة لم تستطع تحقيق رخاء أو ازدهار لشعوبها أو ترسيخ التعايش بينهم، فطوال المئة عام الماضية لم تبرز نهضة عربية، على عكس دول ما قبل «سايكس بيكو» التي كانت متعايشة متسامحة متماهية بعيدة عن التشنج والاحتراب، متصالحة في ذاتها قوية في وطنيتها، قاومت الاستعمار بشكل كبير وغادرتها الامبريالية فعلياً، لكنها تركت من يدافع ولو رمزياً عن مصالحها، فأنتجت الانهزامية والتبعية في حين واصل الغرب جلاءه من المنطقة؛ ليستكمل نهضته ومخترعاته وتنميته ويجعل المنطقة في حاجة دائمة له، بل إن ذلك المستعمر يرفض قطعاً أن تجد المنطقة طريقها إلى الاستقرار، فصدّر السلاح الذي يحرمه في مواثيقه ويبيعه ليزدهر شعبه على محرقة كبرى اسمها الشرق الأوسط.

هل المنطقة بصدد «سايكس بيكو» جديدة؟ سؤال تسيّد خلال الأشهر الماضية حديث مراكز التفكير، والندوات المفتوحة والمغلقة.

في واقع الأمر أننا لا نرى «سايكس بيكو» أخرى على غرار ما تم قبل قرن من الزمن، فبالرغم من حالة الإعياء الكبيرة للأنظمة العربية المتأرجحة اليوم، لكن سيناريو ما حدث قبل 100 عام يختلف كلياً عما يجري اليوم، فنحن بصدد كيانات أكثر وضوحاً على المستوى الحدودي ومعطيات مختلفة ومصالح متقاطعة غاية في التعقيد، لكننا قد نكون في حالة نفسية جديدة تحمل صيغة «سايكس بيكو» التقسيمية، تلك الحالة تسكن وجدان المواطن العربي الذي أصبحت ذاكرته مظلمة مع جيرانه في المنطقة أو الحي الذي يسكن أو البلدة التي يجاور، لا لشيء سوى أن الأحداث التي نعيشها اليوم خلقت حالة من الاغتراب لدى كل مواطن في بلده، فأصبح أبناء الحي الواحد يعيشون حالة حدودية غير مرئية؛ لكنها محسوسة، هذا ما نعتقد أنه أسوأ من «سايكس بيكو».

نقلا عن “الرياض”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً