اراء و أفكـار

واشنطن تفضح حلفاءها: خطط لإنشاء مناطق «طرد» للاجئين

وسيم ابراهيم

أوضاع التحالف الدولي لا تبعث قيادته على التفاؤل. الانتقادات ببطء الحملة العسكرية على تنظيم «داعش» لم تتوقف، وهي تنتعش في الفترة الأخيرة بعد الاعتداءات الإرهابية التي ضربت أوروبا.
لكن الانتكاسة ليست ذات بعد واحد. التوتر مع تركيا صار أكثر وضوحاً، بعدما أقصاها الحليف الأميركي عن اجتماع الدول «الناشطة» في التحالف. ليس هذا فقط، اختارت واشنطن من هناك، وإن بغير قصد، فضح الخطط التركية والأوروبية التي تريد خلق مناطق «نفي» للاجئين تحت عناوين إنسانية.
الولايات المتحدة دعت لاجتماع ما يمكن تسميته «النواة الصلبة» للتحالف ضد «داعش»، معلنة أنها حرصت على دعوة الدول «الأكثر نشاطا». المجموعة التقت في شتوتغارت الألمانية قبل أيام، لتضم ثماني دول أوروبية مع الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا.
لم يرشح الكثير عما دار في الاجتماع، لكن كان لافتاً إصرار وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر على القول إن نقاش «وضع الحملة في سوريا» قادته فرنسا. كارتر أوضح، في إيجاز نشرته وزارة الدفاع، أن نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان ناقش «أهمية إغلاق منطقة منبج أمام داعش».
هذه المنطقة تكررت إشارة العسكريين لها تحت مسمى «جيب منبج»، في إشارة للمنطقة الحدودية مع تركيا بطول حوالي 90 كيلومتراً. الوزير الفرنسي عزا تلك الأهمية «نظرا لتدفق المقاتلين الأجانب من هناك، واحتمال (نشاط) خلايا خارجية للعمل ضد دول التحالف».
ليس ذلك السبب الوحيد الذي يجعل تلك المنطقة إشكالية، هناك قضايا شائكة أخرى كلها تلتقي عند أنقرة. كان لافتاً أيضاً إقصاء تركيا عن اجتماع «الدول الأكثر نشاطا» في التحالف، رغم أن واشنطن وحلف شمال الأطلسي دافعوا عنها، حين يتم الحديث عن مشاكل تسلل «الجهاديين»، بوصفها «دول فعالة جدا في التحالف». ما يجعل «جيب منبج» حساساً، هو كونه المنطقة التي تفصل المناطق التي أعلنها الأكراد السوريون «فدرالية» أمر واقع، إذ لطالما رددت أنقرة أن سيطرة الأكراد على تلك المنطقة «خط أحمر». جاء إقصاء أنقرة عن الاجتماع في ظل توتر مستمر مع واشنطن، عنوانه الأبرز دعم الأخيرة للقوات الكردية السورية. تلك القوات يقودها «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي تعتبره تركيا امتدادا لـ «حزب العمال الكردستاني»، وهي الآن تخوض حرباً ضده، مواصلة وصمه بأنه «منظمة إرهابية».
التحالف الدولي بقيادة واشنطن دعم القوات الكردية لتحرير عين العرب (كوباني)، كما يعتمد عليها الآن بما يشبه التبني الرسمي، الأمر الذي جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخير حليفه الأميركي بين العمل مع تركيا أو مواصلة التعاون مع «منظمة إرهابية».
القضية الخلافية الأخرى بين واشنطن وأنقرة لم تبرد منذ سنوات. رغم الدعوات التركية التي لم تتوقف لإنشاء مناطق آمنة، لكن البيت الأبيض واصل معارضته للطرح. عملية الابتزاز التركية المفتوحة مع الأوروبيين، حول تدفقات اللاجئين، جَرَّتهم للموافقة على دعم إقامة «مناطق أكثر أمنا» عبر الضغط لضمها إلى ملفات التفاوض في جنيف. تلك النسخة الأخيرة أظهر الرئيس الأميركي باراك أوباما تساهلاً مبدئياً معها. عاد وزير خارجيته جون كيري ليقضي على آمال إنشائها ضمن تفاهمات الهدنة، مؤكداً أن وقف إطلاق النار لا يعني وجودها بحكم الأمر الواقع.
بعد اجتماع دول التحالف، كشف كارتر حقيقة ما يرسم لهذه المناطق، باعتبار أن هدفها هو التخلص من مشكلة اللاجئين بأي طريقة حاسمة، حتى لو بخلق مناطق نفي.
خلال مقابلة مع قناة «سي إن إن»، قال كارتر مبرراً رفض إقامة «المناطق الآمنة» في طبعتها الأخيرة: «نحن لا نريد إنشاء منطقة حيث يطرد الناس إليها مرغمين»، قبل أن يعقب: «إذا الفكرة كهذه: أن يطرد الناس من أوروبا أو تركيا إلى هذه المنطقة، فهذه فكرة أكثر إثارة للريبة، إذ يجب أن نتساءل من سيكون بوده أن يأتي إلى هذه المنطقة».
كارتر شدد على أن بلاده لن تحاول حل قضية يحتاجها حلفاؤها لأن ثمنها كبير. وقال معلقا على ما تحتاجه «المنطقة الآمنة» إنها «ستحتاج تعهداً عسكرياً كبيراً عبر تركيا وأوروبا، لكن لم يظهروا أي رغبة في وضع قوة بهذا الحجم لإنشاء منطقة آمنة بالفعل. لأنه حالما ستكون هناك، فكل متطرف داعشي سيحاول إظهار أنها ليست آمنة. لذا لا يمكن فقط إعلانها آمنة، بل عليك جعلها آمنة وحمايتها».
مصدر أوروبي، متابع لنقاشات القضية عن قرب، أقرّ بوجود هذا الاستعصاء نظراً للمعارضة الأميركية. حين سألته «السفير» إن كان هناك تقدمٌ، بعد تعهد الأوروبيين بالعمل لإنشاء «مناطق أكثر أمنا» مع تركيا، رد بالقول: «الأمور مجمدة في مكانها»، قبل أن يضيف: «نحن لا يمكننا القتال لإنشاء تلك المناطق، الأمر عند الأتراك، لكن إذا تم التوافق عليها في جنيف تحت الضغط فسيكون الخيار الأمثل».
رغم حديثها سابقاً عن الترحيب باللاجئين السوريين «ضيوفا»، أغلقت تركيا حدودها في وجههم منذ أشهر، كما فرضت من جديد تأشيرة دخول على الهاربين من الحرب. تَجَمُّعُ عشرات آلاف اللاجئين على الحدود لم يغير تلك السياسة، لتتحول الحدود إلى جنة جديدة للمهربين، كل ذلك وسط صمت أوروبي مطبق تبخرت معه المناشدات السابقة لإبقاء الحدود مفتوحة.
مفارقة أخرى حملها اجتماع شتوتغارت مع مواصلة الأوروبيين التكتم الشديد حيال قوات عسكرية في سوريا، رغم تجديد واشنطن الحديث عن أنها ستقود دمج قوات خاصة أرسلوها إلى سوريا. مصادر أوروبية كانت أكدت لـ «السفير» إرسال دول أوروبية قوات خاصة للعمل في سوريا، مشيرة إلى أن تلك الأداة العسكرية سيتزايد استخدامها.
بقي الأمر مدسوساً بين سطور بيانات لا تحسم تلك القضية، تحت ضبابية عنوان نشر «قدرات تمكينية». دول «النواة الصلبة» للتحالف أصدرت بعد اجتماعها بياناً تؤكد فيه أنها ستقدم مساهمات لتكثيف الحملة على «داعش». وزراء الدول الـ12 جددوا «دعمنا القوي لتسريع أكبر وتعزيز نجاح شركائنا على الأرض، ولنشر قدرات تمكينية إضافية في المدى القريب، من أجل تسريع انهيار سيطرة داعش على الموصل والرقة».

نقلا عن “السفير”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً