اراء و أفكـار

إيران تقول لأمريكا وجهك أسود

هيفاء زنكنة

من طرائف ما يجري في البلاد العربية، بلاد العجائب، ان يستنجد الحكام العرب بالقوى الخارجية عتادا واحتلالا، لحمايتهم من شعوبهم، منادين المحتل بالصديق تارة والشريك تارة أخرى. واذا كان الكرم العربي لا يجد ضيرا في استقبال اكثر من محتل في حقبة زمنية واحدة، فان قوى الاحتلال لا تتمتع بذات الكرم، لذلك نراها تتنازع فيما بينها، على تقسيم البلاد والثروات، ورسم خريطة جديدة وفق مصالحها، بحجج طالما استخدمت لتقسيم البلدان المستعمرة، والتي تراوح ما بين حماية « شعب» البلد المحتل إلى التصدي للتنظيمات الإرهابية، التي يتغير اسمها عند الحاجة وحسب الطلب. يتم تسويق الحرب والنهب والتقسيم، إعلاميا، بخطاب واحد من قبل كل القوى والدول، وهو عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول المحتلة.
منذ ايام، مثلا، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن ارسال 250 عسكريًا أمريكيا إضافيا إلى سوريا، للتصدي لتنظيم «داعش». وكانت أمريكا قد أرسلت 50 جنديًا من قوات العمليات الخاصة الأمريكية في العام الماضي، كخطوة « لزيادة دعم شركائنا في المنطقة بما في ذلك قوات الأمن العراقية بالإضافة إلى القوات المحلية السورية التي تقاتل تنظيم داعش». كرر اوباما في خطابه مفردات «التصدي» و»دعم الشركاء»، ثم أضاف إلى الخلطة البائتة بهارات «تدريب ومساعدة القوات المحلية»، ليغطي رائحة التدخل العسكري الذي كان معارضا له منذ بدء الثورة، كما كان معارضا لغزو العراق اثناء حملته الانتخابية. تتزامن زيادة القوات الأمريكية في سوريا مع اعلان زيادة القوات والتسليح والغارات الجوية في العراق تحت ذات التسويغ. واذا كان اوباما قد دخل على خط مساعدة شركائه بحجة القضاء على «نظام الأسد وتنظيم الدولة»، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يتحلى برمادية أوباما، لذلك جاء وقوفه بجانب النظام السوري صريحا ومباشرا وبلا تزويقات قصفا وسلاحا وأمنا بالاضافة إلى جعل روسيا صوتا إعلاميا لنظام الأسد، باعتبارها مدافعة أممية عن سيادة البلدان، بينما تتغافل عن ذكر مبيعات الأسلحة الروسية إلى النظام ووجود القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس. وبينما تهطل قنابل النظام على المدنيين السوريين، يتفرج اوباما وبوتين على المذابح معلنين للعالم بانهما يتمسكان «بوقف اطلاق النار الذي ينص عليه اتفاق وقف الأعمال القتالية الروسي الأمريكي المدعوم من الأمم المتحدة». خبراء الكذب الإعلامي/ السياسي في كلا البلدين، معهم الحلفاء في المنطقة، من إيران إلى السعودية، يكررون خطاب عدم التدخل في الشأن الداخلي.
قمة المفارقة في ملهاة الموقف الإيراني، جاءت بعد ساعات من موافقة اوباما على ارسال العسكر إلى سوريا. الفرصة ذهبية ولا تفوت في تحشيد شعبوية المشاعر ضد دولة لم يعد شعار «الموت لأمريكا» يجد من يشتريه، كما اصبح طريق العودة إلى القدس ملتويا إلى حد لم يعد فيه ابناء الشعب الإيراني والسوري والعراقي، يعرفون أين هو موقع القدس بالضبط، اذ صرح وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان في حديث لقناة روسيا اليوم: «نعتبر هذه الخطوة الأمركية تدخلا سافرا وعدوانا وتتعارض مع الأعراف الدولية».
عن أية اعراف دولية يتحدث دهقان؟ ماذا عن التدخل الإيراني منذ انتفاضة السوريين عام 2011، وما هو تعريف عدم التدخل اذن؟ يقول دهقان عن التواجد الإيراني: «إنه ينحصر في تقديمنا المشورة، ونساعد في وضع الخطط، وندرب الجيش السوري انه مساعدة للحكومة السورية». لم يتحدث دهقان عن مئات المقاتلين القتلى، اعضاء الحرس الثوري، وفيلق القدس لوائي الصابرون والزينبيين، وقوات التعبئة الشعبية، الذين تدل اعدادهم على وجود عدد أكبر بكثير من المقاتلين على الارض وليس مجرد مستشارين. مع العلم ان «ارسال مستشارين ومدربين» يعني، واقعا، المشاركة في الحرب. وما الذي يعنيه، غير المشاركة في الحرب، قول علي اكبر ولايتي، مستشار الإمام الخامئني للشؤون الدولية، يوم 28 نيسان/أبريل» سیبقى الرئيس السوري بشار الأسد فی منصبه على مدى السنوات الـ 5 المقبلة، واستمرار بقائه فی منصبه یعد خطا احمر بالنسبة للجمهوریة الإسلامیة الایرانیة»؟
ويبدي ولايتي أسفه لأن «بعض الدول الغربیة وبالتنسیق والتعاون مع بعض الدول الرجعیة فی المنطقة تواصل ومنذ اکثر من 5 سنوات عدوانها على الحکومة الشرعیة فی سوریا». وذلك، حسب اعتقاده، هو سبب تواجد إرهابيين من 80 بلدا، في المنطقة، اليوم.
هذا كله لا تعتبره إيران تدخلا في الشأن الداخلي لسوريا، وهو نسخة مطابقة لمفهوم عدم التدخل الأمريكي، ففي ذات اليوم الذي استنكر فيه دهقان ارسال القوات الأمريكية، صرح ممثل البنتاغون، مرددا ذات المفردات، بأن المهمة الأمريكية: «تنحصر في التدريب وتقديم المشورة ومساعدة القوات المحلية في محاربة داعش».
تعيدنا هذه الرطانة إلى تصريح لوزير الدفاع الأمريكي السابق رونالد رامسفيلد، أحد مخططي غزو العراق الرئيسيين، اثناء ازدياد هجمات المقاومة ضد قوات الاحتلال، جاء فيه ان أمريكا تستنكر كل ما يمس السيادة العراقية، كما تقف ضد التدخل الاجنبي في الشأن العراقي! مؤديا دور الحريص وليس الغازي المحتل للعراق، في تضليل ممنهج يستهدف عامة الناس إلى حد تقديم نفسه كوطني عراقي أبا عن جد، وماعداه أجنبي. ويتضمن الاستثناء العراقيين المدافعين عن بلدهم وكرامتهم.
حينئذ، كان رامسفيلد يروج لاحترام أمريكا للاعراف والقوانين الدولية والسيادة الوطنية، كما تفعل إيران وروسيا من جهة وأمريكا والسعودية من جهة أخرى، حاليا، في مسابقة أشبه ما تكون بلعبة منضدة (بينغ بونغ) زوجية. يتبادل فيها اللاعبون الضربات السريعة بالطلقات والقنابل والبراميل الحارقة على جسد الشعب السوري. وكل واحد منهم يقول: تدخلي أنا مساعدة أما تدخل الآخر فهو إرهاب. وستستمر اللعبة إلى ان ينهض الشعب المنهك ليقلب الطاولة على كل اللاعبين.

نقلا عن “القدس العربي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً