اراء و أفكـار

مقبرة إيران وضباعها في حلب

داود البصري

تميزت الأيام الأخيرة من مسيرة المعارك العسكرية الشرسة المحتدمة بريف حلب الجنوبي تحديدا، بتصاعد وتيرة الخسائر البشرية الإيرانية بطريقة ملفتة للنظر، ومعبرة خير تعبير عن سيناريوهات بائسة وكئيبة ستواجه النظام الإيراني وهو يدفع من لحمه الحي أثمان مغامرته وتدخله في شؤون الشعب السوري! قرر النظام الإيراني تصعيد إدارة المعركة من خلال الزج بوحدات من الجيش الإيراني ذاته ممثلة في اللواء 65 الذي يسمونه “لواء النخبة” في منطقة حلب تحديدا من أجل تحقيق تقدم ستراتيجي أرضي من شأنه دعم مواقف النظام في مفاوضات جنيف، لكن ماحصل كان مثيرا ومفاجئا للمخططين الستراتيجيين الإيرانيين، فقد تكبد ذلك اللواء النخبوي المزعوم خسائر بشرية ثقيلة بفقدان أربعة من قادته الميدانيين في ضربة واحدة، ثم توالت الضربات التي شلت أعصاب القيادة الإيرانية، بعد أن تكبد شريك النظام الإيراني في العدوان وهي قوات حزب اللات اللبناني خسائر رهيبة في صفوف قيادييه الميدانيين وتوالي تراكم النعوش الصفراء على العاصمة اللبنانية لتحكي قصة خيبة التحالف الإيراني المدعوم بضباع النظام الإيراني من اللبنانيين والعراقيين والأفغان!، وفي سبيل دعم الجبهة السورية بالرجال والعناصر البشرية المقاتلة، فقد لجأت الحكومة الإيرانية بائسة الى تجنيد وتعبئة الأفغان من خلال التعهد لهم بصرف الجنسية الإيرانية لكل مقاتل يشترك في المعركة لفترة ستة اشهر وأكثر، مع رواتب ومغريات مالية، ومن المعلوم ان الأفغان في إيران يعاملون معاملة عنصرية مهينة ويمنع منعا باتا تحركهم بين المدن الإيرانية، بل أن إقاماتهم محددة في المناطق التي يتواجدون فيها، وهذه المغريات تؤكد ان النظام الإيراني، كالنظام السوري، يواجه مشكلة حقيقية في التعبئة والحشد والتجنيد لذلك يفضل خيار الترغيب وبذل الوعود، وهو كما نعلم خيار المفلسين! تراكم الخسائر البشرية الإيرانية رسم حقيقة أن الإيرانيين باتوا يفضلون الوصول لحل سياسي، وبما يضمن مصالحهم وهو ما أكد عليه البيان التركي- الإيراني بعد لقاء أنقرة بين الرئيسين التركي والإيراني!، ولكون المشروع الإيراني طموح وواسع ومتمدد في الشرق القديم فإن الإنسحاب السريع من النزاع يعني هزيمة شاملة سترتد مؤثراتها في العمق الإيراني وهو مالايريده النظام، لذلك يعمل وفق تكتيك إشراك أكبر عدد ممكن من مقاتلي الجماعات الطائفية المنضوية تحت الراية الإيرانية من اللبنانيين والعراقيين تحديدا مضافا لهم الأفغان من أجل إدامة المعركة لأطول وقت ممكن ومحاولة الحصول على مكاسب وإختراقات معينة قد تصب في صالح العملية التفاوضية! التي يعول عليها الإيرانيون من دون نتيجة واضحة معينة! لقد أفرزت المعارك الأخيرة بريف حلب الجنوبي حقائق صادمة للإيرانيين أهمها تساقط عناصرهم بين قتيل وأسير، وتمكن المعارضة السورية من إختراق الدفاعات الإيرانية وإفشال الهجمات المدعومة بالطيران الروسي!، وهو ما يعني ان الإيرانيين فقدوا زمام المبادرة ولم يعودوا يتمكنون من ضمان الهيمنة الكاملة على الشمال السوري كما كانوا يخططون من أجل قطع إمدادات الثوار وتقويض مكاسبهم الستراتيجية. نتيجة المعركة العسكرية ومستقبلها تمثل كابوسا رهيبا للنظام الإيراني الذي أسرع الى ارسال السردار قاسم سليماني قائد ما يسمى “بفيلق القدس” للحرس الثوري لموسكو من أجل الحصول على تعزيزات والوصول لتفاهم بات غير موجود مع الجانب الروسي نظرا الى تضارب المصالح بين الطرفين والتي تجعل الجانب الروسي يزداد حبورا وإنشراحا مع تزايد النزيف والخسائر الإيرانية، وبما يعني أن الإيرانيين لايمكنهم تحديد المستقبل السوري، ولا صناعة أو صياغة أي أجندة معينة. الشمال السوري، تحول مقبرة حقيقية للجيش والحرس الإيراني ولفلول الضباع الطائفية التي جلبتها إيران من حلفائها الإقليميين الطائفيين المعروفين، ومع إصرار النظام السوري وحليفه الإيراني على كسر الهدنة وخرقها بوحشية فإن ردود الثوار قاسية جدا في رد الصاع صاعين، وهو الأمر الذي أدخل القيادة الإيرانية في ورطة كبرى، هي ورطة النزيف المستمر للرجال والمعدات، والقلق من طول مدة النزاع المترافق مع إنهيارات بنيوية وسياسية حادة يعيشها حلفاء النظام الإيراني في المنطقة! بكل تأكيد فإن أياماً سوداء قمطرير تنتظر الجموع والحشود الإيرانية في سورية؟، وسيهربون بل سيتجرعون كوؤس سم الهزيمة بطريقة سيخلدها التاريخ!، فالأسوأ لم يذوقوه بعد، ولكنهم في الطريق لذلك قريبا جدا جدا!.

نقلا عن السياسة الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً