اراء و أفكـار

توطين السوريين.. لماذا؟

عندما قام أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون بزيارة لبنان الأسبوع الماضي ثار لغط كبير حول الزيارة وأهدافها، خصوصاً بعدما تردد أنه طرح أمام بعض المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم مسألة توطين عدة آلاف من اللاجئين السوريين في لبنان. هذا اللغط كان من قبيل التحليل لأن شيئاً رسمياً لم يصدر من بيروت حول أهداف الزيارة.. لكن اللغط لم يكن في الواقع من لا شيء بل كانت هناك تسريبات تحدثت عن مؤشرات تبعث على القلق والخوف أبدتها بعض المرجعيات السياسية والدينية من دون أن تكشف عن أي تفاصيل.
إلى أن أكدت الأمم المتحدة الأمر وكشفت عن المستور قبل يومين، وقالت إنها تسعى لإعادة توطين 450 ألف لاجئ سوري في دول الجوار.
الأمر يدعو إلى الاستهجان والريبة معاً.. لماذا توطين اللاجئين في دول الجوار، حيث يقيم عدة ملايين منهم في لبنان والأردن وتركيا والعراق.. وهؤلاء من المفترض أن يعودوا إلى وطنهم حالما تهدأ الأوضاع ويستتب الأمن فيه، وليس توطينهم. أي إن إقامتهم مؤقتة كما يفترض.. وليس هناك من سبب يدعو لتوطينهم طالما أن لديهم وطنهم وأرضهم ومنازلهم.
ثم إن معظم الدول المجاورة تواجه أزمات سياسية واقتصادية حادة ولا تستطيع القيام بواجباتها تجاه مواطنيها، فكيف إذا أضيف إليهم المزيد.. ثم هناك لبنان مثلاً الذي يتحمل أعباء حوالي مليون ونصف المليون لاجئ سوري يقيمون على أراضيه، ويشكلون أكبر نسبة لاجئين في أي بلد آخر قياساً بعدد السكان، وهو يعاني أزمة اقتصادية وسياسية حادة ومثقل بديون تتجاوز الـ 70 مليار دولار.. إضافة إلى المخاوف التي يثيرها قرار التوطين هذا على التركيبة السكانية وتداعيات الخلل الديموغرافي الذي يمكن أن يحدث ويعصف بوجود هذا البلد، خصوصاً أنه مأزوم بوجود حوالي نصف مليون لاجئ فلسطيني يقيمون على أرضه منذ عام 1948، ويصارع كل محاولات توطينهم رغماً عنه وعنهم، ويصر ويصرون على العودة إلى أرضهم المحتلة.
لماذا الأمم المتحدة بالتحديد تقوم بهذا الدور؟ ولمصلحة من؟ مع أن دورها من المفترض أن يكون عكس ذلك، أي السعي إلى حل الأزمة السورية ووضع حد لمأساة شعبها، وإعادتهم إلى وطنهم من مختلف أماكن هجرتهم، وبذلك تخفف الأعباء عن الدول التي تستضيفهم في الجوار أو غيرها، كما تخفف من الهواجس والمخاوف المتعلقة بالإرهاب الذي يجد في الحرب على الأراضي السورية والعراقية ملاذاً يتمدد باتجاه العالم بأسره.
الأمر يدعو فعلاً إلى الشك والريبة، بل يصير من الجائز الحديث عن شبهة مؤامرة غير مستبعدة تحيكها بعض الجهات والمرجعيات الدولية لخلخلة جغرافيا وديموغرافيا بعض الدول المعنية، وبالتالي تبرير توطين الفلسطينيين إسوة بتوطين السوريين إذا ما تحقق.
.. إذا كان الشك هو الطريق إلى اليقين كما يقال.. فعلى الأمم المتحدة أن تشرح الأسباب وتعلل قرارها وموقفها وإلا ستكون في موقع الشبهة.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً