اراء و أفكـار

لماذا يكره الأوروبيون العرب؟

رأي القدس

تحلل دراسة حديثة يقوم بها مركز تحليل وسائل التواصل الاجتماعي لمركز الأبحاث البريطاني «ديموس» ما يحصل على مستوى العالم الافتراضي بعد الأحداث الكبيرة التي تحصل في العالم، وما الذي يدفع البشر إلى التعليق وإرسال الصور وشرائط الفيديو وصرخات النجدة أو الآراء التي تندد وتلوم أو تدعم وتساعد.
في تحليله لانفجار العالم الرقميّ بالحركة بعد هجمات بروكسل لاحظ المركز صدور 10 ملايين تغريدة على موقع «تويتر» خلال أيام قليلة يمكن تلخيص مضامينها بالحزن، الأسى، الوحدة والعزاء. كما انتبه محللو المركز إلى وجود نسبة من التعليقات الرديئة التي تصوّب على الإسلام، وليس على الإرهابيين، باعتباره السبب الحقيقي الذي يجب أن يوجه إليه اللوم، وتركزّت هذه التعليقات تحت وسم «هاشتاغ» #StopIslam.
وبرأي المركز فإن هجمات بروكسل وباريس خلقت موجات من التعاطف أكثر مما حصل مع هجمات دمويّة أخرى حصدت ضحايا أكثر في أماكن أخرى من العالم كما في تركيا والعراق وسوريا. يتساءل المركز عن أسباب ضعف التعاطف مع ضحايا الإرهاب في أماكن أخرى من العالم وإن كان الأمر يتعلّق بضيق أفق وسائل الإعلام الغربية أم بعدم الاهتمام، أم أن الأمر أكبر ويتعلّق بعنصريّة ممنهجة أو غير مباشرة، رغم أن محصّلة هذه المواقف غير المتعاطفة تصبّ في صالح الإرهابيين أنفسهم.
في محاولته إيجاد أجوبة على هذه الأسئلة يعزوها إلى تعاطف الناس مع ما يخصّهم، بدءاً من العائلة والبلدة والمدينة وانتهاء بالأمّة والشعوب المجاورة، لا يستطيع المركز، في رأينا، فهم ما يجري فعلاً في المنطقة العربية، التي عانت خلال القرون الماضية من نزاعات لا تنتهي مع الغرب، ومن تدخّلاته العنيفة المستمرة في بلداننا، تقسيماً وتشكيلاً واحتلالاً واستتباعا اقتصادياً وسياسياً، ودعماً للمشروع الاستيطاني العنصري الإسرائيلي، وأنظمة الاستبداد والفساد والبطش.
ما يزيد ميزان المرارات ثقلا، فوق كل ذلك، أن السيطرة الغربية على الاقتصاد والسياسة ووسائل القوة الناعمة كالإعلام والسينما والدراما تمارس كلها ضغطاً لا يحتمل، مهمته أن يؤمن الضحايا بأنهم المجرمون، وأنهم المسؤولون عن الشرور التي تحلّ بهم، وأن أي محاولة للخروج من هذه الحلقة المستحيلة لإيجاد مكان لهم تحت شمس الحرية والكرامة والعدالة، تتلوّن بالإرهاب، حتى لو كانت دفاعاً عن بقائهم أو أرضهم أو عائلاتهم وأطفالهم.
لا تنفكّ أشكال القوة المتجبرة تكرّر بأن العرب والمسلمين «يكرهون حضارتنا»، وأن أفعالهم نابعة من ثقافتهم نفسها، وبالتالي فلا عزاء لهم لا في دنيا ولا في آخرة، وما عليهم سوى البقاء ضعافا وضحايا ومقتولين، وأن يتحملوا وزر كل ما يقع فوقهم ويجري عليهم ويحصل لهم.
في صورة معبّرة نشرتها «القدس العربي» على صفحتها الأولى أمس يقوم أطفال عرب محجوزون على الحدود المقدونية برفع يافطات من الورق المقوّى يستنكرون فيها الهجمات الإرهابية في بروكسل ويطالبون، في الوقت نفسه، الغرب الذي قرّر نسيانهم هناك، بالتعاطف معهم.
تقدّم هذه الصورة اللاجئ في أكثر أشكاله هشاشة (طفل) يتعاطف مع ضحايا القارة التي تمنع عليه حدودها، فيعزّي اللاجئ المهدوم بيته أصحاب البيوت المترفة، ويشفق الفقير على الغنيّ، ويتعاطف المسكين مع القويّ.
في المقابل يطالب مثقف عربي على وسيلة تواصل اجتماعي بخروج مظاهرة كبرى في بلاد المسلمين استنكارا لتفجيرات الانتحاريين باسم الإسلام، وهو مثال على التفكير الثقافويّ السقيم.
تخيّلوا شعوباً أغلبيّة سكّانها تحت القصف والتهجير والاستبداد والإفقار، وتجابه أي محاولة فيها للتعبير عن مظلوميتها بالاعتقال أو القتل، فيطالب أحدهم أهلها بتنظيم مسيرة للتعاطف مع باريس (كما فعل زعماؤهم الذين هرعوا للتعزية زرافات ووحدانا) وهم الذين لا يجدون مكاناً يؤويهم أو غذاء يقيتهم أو أحداً يتعاطف معهم.
نتساءل نحن بدورنا سؤالاً بسيطاً جامعاً ومانعاً: ماذا لو، مرّة واحدة فقط، قامت الدنيا ولم تقعد لأجل مجزرة إسرائيلية ضد الفلسطينيين؟
أما كان الاحتلال والظلم والقمع العنصري سيتضعضع؟
الجواب موجود في السؤال نفسه.

نقلا عن “القدس العربي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً