اراء و أفكـار

إيران وروسيا: وحدة المواقف وتباين الأهداف

وصفي الأمين

قول القائد العام للحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري: «جاءت روسيا إلى سوريا بحثا عن مصالحها. وربما هي مجبرة على البقاء هناك. وقد لا يهمها بقاء الأسد، كما نفعل نحن». تصريح يظهر بوضوح تناقض المصالح مع الروس، وتمايزاً عنهم في الأهداف النهائية، برغم تطابق مواقفهما شبه الكامل من سوريا. كلاهما حريص على منع انهيار الدولة، ويختلفان في أسباب دعم النظام، وفي الموقف الحقيقي من الرئيس بشار الأسد. الإيرانيون تقلقهم النوايا الروسية، فموسكو تتبنى قرارات دولية تمهد لإقصاء الأسد، أو إضعافه، وتلتزم بيان جنيف، الذي يبدأ التغيير بمقتضاه، من رأس النظام. بينما تصر طهران على أن القضاء على الإرهاب هو المدخل الضروري لأي حل. وتعتبر تناول مستقبل الأسد السياسي في أي نقاش حول سوريا، من المحرمات. روسيا عززت بحضورها النظام، لكنها تحاول وضع سوريا كلها تحت سيطرتها، وبرضى أميركي. فيما تعمل طهران على تشكيل حكومة مستقرة، وحليفة لها في دمشق، لمنع نقل سوريا إلى معسكر آخر. التدخل الروسي فرض تغييرات كبرى، تحاول إيران فهم مدى تأثيرها على سياساتها، وتبعاتها على وجودها هناك. فالتدخل رجح كفة الأسد عسكرياً، لكنه يستبطن تهديده سياسياً.
روسيا التي تراكم المكاسب السياسية في المنطقة، لا تأخذ من حصة الأميركي، بل مما لدى الإيراني وحلفائه، الذين يتعرضون لحملات سياسية وإعلامية شرسة، فيما تتحول موسكو قبلة لأخصام محور المقاومة وأعدائه. إيران تقاتل على الأرض، وتبذل الدماء والأموال لحماية سوريا ووحدتها، وتصر على بقاء الرئيس الأسد خيارا وحيدا، بينما تحتفظ روسيا ببدائل مختلفة في الدولة والنظام والأجهزة الأمنية والعسكرية. تَقَدُّم إيران وحلفائها على الأرض، يخدم الأهداف الروسية، لكنه لا يخفف الأعباء عن كاهلها، فهي مضطرة، الآن، لموازنة دورها مع دورَي روسيا والولايات المتحدة، المتفقتين على «دور الأسد» في المرحلة الانتقالية. إضافة إلى استعداد موسكو للتعاون مع أطراف معارضة، بينها «الجيش الحر»، فإنها تساوم بشأن المرحلة الانتقالية، وهذا يعد إقراراً ضمنياً منها، بعدم وجود دور للأسد في مستقبل بلاده، ومؤشراً على عدم تمسكها به، لأبعد من التأسيس لتواجد عسكري يؤمن نفوذها في سوريا، ويمكنها من عقد صفقات مع الغرب في أوكرانيا والقرم، وفي غيرهما.
ما يهم واشنطن هو احتواء تنظيم «داعش» كلما فاض عن الحد. وتريد موسكو هزيمة الجماعات الإرهابية وانكفاءها. بينما هدف إيران اكتساح الإرهاب بالكامل. روسيا لا تمانع في حصر تدخلها في سوريا في إطار الحفاظ على التوازن بين النظام والمعارضة «المعتدلة»، وهي تسعى لتشكيل تحالف إقليمي ضد الإرهاب، قد تجد فيه إيران نفسها على قدم المساواة مع السعودية ومع فصائل سورية معارضة، ما يعني تقديم طهران تنازلات للرياض، ومنح المعارضين السوريين شرعيةً يحتاجونها. وروسيا تعرض حفظ أمن إسرائيل ودول الخليج، مقابل احتفاظها بسوريا، وهو عرض لا يزعج الأميركيين، ولا يمانعون في التفاوض حوله. بينما يقلق حرص الروس على أمن إسرائيل إيران، التي تعمل على حماية الدولة السورية، ودعم النظام، لاستعادة خط التماس مع الإسرائيليين، والتأسيس لبنية تحتية عسكرية في الجولان تمكن محور المقاومة من الضغط والمبادرة عند اللزوم.
روسيا العازمة على لعب أدوار أكبر في ملفات المنطقة، أكثر قدرة من إيران على ربط سوريا بها، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وتشكل ضمانة أقوى بالنسبة للنظام (وليس لرئيسه)، ما يزيد من تبعيتها ويضمن لموسكو الإمساك بقرار دمشق السياسي، والهيمنة تاليا، على خطوط الطاقة، التي يتوقع أن تمر عبر سوريا. بينما تسعى إيران إلى تحرير المنطقة وثرواتها من أي هيمنة خارجية، ولا تنوي ترك روسيا تحدد وحدها مآلات الصراع، على حساب مصالحها ومصالح حلفائها. التدخل الروسي المباشر، شكل مدخلا لتدويل الأزمة السورية، ما يعني إضعاف دور إيران وتعزيز دور اللاعب الدولي (روسيا). إيران لا تملك وحدها كل أدوات الضغط لحماية إنجازاتها خلال السنوات الماضية. فسوريا بعد التدخل الروسي تختلف عما قبله. لكن الرضى الإيراني على هذا التدخل، لا يعني أن موسكو لن تواجه رفضاً إيرانياً للخضوع لسياساتها. الإيرانيون يدركون أن بلادهم لاعب إقليمي أساسي، لا يمكن تجاوزه، ولديه أوراق قوة كثيرة، مكنته من فرض معادلات صعبة في سوريا. وهم يراهنون على قدرة روسيا المحدودة في التدخل. ففي مقابل العمليات الجوية الروسية، لإيران وحلفائها حضور بري واسع وأساسي، لا يمكن تجاوزه أو الاستغناء عنه، وبإمكانهم الرد على القرار الروسي الأخير بسحب القطعات الأساسية من قواتهم من سوريا، بحرمان موسكو من إمكانية التفاوض مع الأطراف الأخرى، على الأراضي والمناطق التي يسيطرون عليها، مع الجيش السوري وحلفائه (فلتفاوض على الجو). وإذا كانت روسيا هي الضامن الدولي لأي تسوية، فإن إيران هي الضامن الإقليمي لها. وقدرة الروس على حماية النظام السوري، لا تعني القدرة على الانتصار، ما يحفزهم على القبول بتسوية ما. وطهران لن تقبل بتسوية تتضمن التخلي عن الأسد. ولكي تحمي موسكو إنجازاتها في سوريا، ينبغي أن تعزز حضورها في العراق ولبنان، وهذا غير ممكن من دون رضى ودعم إيراني. يؤكد جعفري، قائد الحرس الثوري، استمرار «جهاد إيران المسلح» خارج أراضيها، ويشدد على أمر المرشد الأعلى بإبقاء العناصر العسكرية الإيرانية في مناطق التوتر «لحماية الأمن القومي الإيراني».

نقلاً عن “السفير”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً