اراء و أفكـار

الهدنة وفرص الحل

فيما تدخل الهدنة في سوريا أسبوعها الثاني متثاقلة ومترجرجة جراء خروق هنا وهناك، يتبادل فيها النظام وروسيا من جهة وبعض مسلحي المعارضة مسؤولية انتهاكها، فإن مسيرة المفاوضات التي من المفترض أن تستأنف هذا الأسبوع في جنيف تبدو أيضاً مرتبكة، لأن أطرافها لم تصل حتى الآن إلى قناعة فعلية بأن الطريق بات مسدوداً أمام أي حل عسكري، ولا بد من الجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي، وأن الاستمرار في التسويف والمراوغة على أمل تبدل المعطيات الميدانية أو المواقف السياسية الإقليمية والدولية التي يمكن أن توفر لها أوراقاً قوة إضافية في المفاوضات هي مراهنات غير واقعية وغير مضمونة النتائج.
صحيح أن روسيا والولايات المتحدة قد توصلتا إلى اتفاق بشأن التسوية تتوليان من خلاله ضمان وقف إطلاق النار وصولاً إلى هدنة دائمة تكون مدخلاً لمفاوضات سياسية على قاعدة ما تم الاتفاق عليه في جنيف-1 وفيينا.
وصحيح أيضاً أن الطرفين تعهدا بحمل الأطراف المتصارعة على التزام وقف الأعمال العدائية والانخراط في المفاوضات باستثناء «داعش» و«جبهة النصرة» والمنظمات الإرهابية المماثلة.
لكن الصحيح أيضاً أن بعض الأطراف المسلحة لا تستطيع الفكاك من ارتباطاتها الإقليمية التي تقيد حركتها الميدانية والسياسية، كما أن الحدود التركية لا تزال تشهد تنقلاً لمسلحين ونقل أسلحة باتجاه سوريا، إضافة إلى أعمال عسكرية تركية ضد الأكراد في مناطق شمال سوريا الحدودية، الأمر الذي يجعل من الهدنة فرصة للابتزاز.. مع استمرار وضع شروط معينة استباقاً للمفاوضات التي من المفترض أن تحدد سقفاً زمنياً للمرحلة الانتقالية وآليات مباشرة تنفيذها.
لهذه الأسباب يبدو أن استئناف المفاوضات سيتعثر حيث تجد روسيا والولايات المتحدة ومعهما الأمم المتحدة أنها تواجه عقبة فعلية لا بد من تجاوزها وذلك بممارسة المزيد من الضغط على كل الأطراف، لأن التهاون أو التراخي في إلزام الجميع القبول بخيار الحل السياسي قد يعرض كل الجهود المبذولة للضياع والعودة إلى المربع الأول، كما أن التراخي قد يعطي انطباعاً بعدم جدية الدولتين ويفقدهما المصداقية ويظهرهما كدولتين كبريين عاجزتين عن التأثير على قوى لا تستطيع أن تفعل شيئا من دونهما.
لذا، فإن الجهود مبذولة الآن على ضرورة استئناف المفاوضات بأي ثمن وعدم السماح لأي طرف بعرقلتها، وهو ما أشار إليه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بأن المفاوضات سوف تبدأ بمن حضر على أن تنضم إليها بقية القوى التي تتلكأ أو تناور في مرحلة لاحقة، مع استمرار الجهود لفصل القضايا الإنسانية المتعلقة بتقديم المساعدات للمناطق المحاصرة وتوسيع نطاقها، عن القضايا السياسية والميدانية من أجل تعزيز عوامل الثقة، وكذلك توسيع رقعة وقف إطلاق النار بما يسهم في إطلاق مفاوضات فعلية.. تؤدي إلى نتيجة.
العملية السياسية قد تكون صعبة وتحتاج إلى مزيد من الجهد والوقت، لكنها بدأت بانتظار استكمال خطوات ضبط ولجم محاولات العرقلة وهذه مهمة لا بد أن تتكفل بها روسيا والولايات المتحدة.

نقلا عن الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً