اراء و أفكـار

نحو أمن نووي شامل للشرق الأوسط

السيد أمين شلبي

منذ أن أطلقت مصر في أوائل التسعينات، بدعم عربي، مبادرة جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي وجميع أسلحة الدمار الشامل، ظلّت هذه المبادرة تتعثر حتى مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار عام 1995. ولكي تضمن الولايات المتحدة التأييد العربي للمد اللانهائي للمعاهدة، صدر قرار من المؤتمر بإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، وطالب القرار دول المنطقة التي لم تكن قد انضمّت بعد الى المعاهدة بالانضمام إليها وإخضاع منشآتها النووية لنظام التفتيش والضمانات للوكالة الدولية للطاقة.
غير أن هذا القرار ثبت أنه كان خديعة ذكَّرت بالخداع الذي تعرضت له مصر عندما دُعيت في أوائل الثمانينات، للانضمام إلى معاهدة منع الانتشار مقابل إقناع إسرائيل بالانضمام الى المعاهدة. ومع أن العرب حصلوا عام 2010، على قرار من الأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي في هلسنكي في كانون الأول (ديسمبر) 2012، لإطلاق عملية مفاوضات حول إنشاء المنطقة، أحبطت الولايات المتحدة، في اللحظة الأخيرة، عقد هذا المؤتمر، وواصلت هذا الإحباط عندما أفشلت هي وبريطانيا وكندا، مشروع القرار العربي في مؤتمر مراجعة المعاهدة في نيسان (أبريل) وأيار (مايو) 2015، لإنشاء المنطقة. وقد توافق هذا مع المفاوضات التي كانت تُجرى بين مجموعة 5+1 وإيران للتوصل إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي.
وعندما تمَّ التوصل إلى هذا الاتفاق، والذي كانت الإدارة الأميركية ورئيسها يسعيان في شكل يائس للوصول إليه، دافع عنه الرئيس الأميركي بقوة واعتبر أنه «سيضمن أمن المنطقة». ويومها، خاطبناه لكي ننبّه إلى أنه حتى لو افترضنا أن الاتفاق سيوفر الأمن للمنطقة، فإنه سيظل أمناً غير كامل وشامل للشرق الأوسط بينما دولة واحدة هي إسرائيل تملك برنامجاً مؤكداً للسلاح النووي، وترفض الانضمام الى معاهدة الانتشار. بهذا المعنى فالاتفاق يقدم حجة إضافية للدعوة إلى إنشاء المنطقة الخالية، وكان الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، قد أدلى بتصريح في هذا الاتجاه.
وفي المؤتمر الذي عقد في الجامعة العربية يومي 27 – 28 شباط (فبراير) الماضي، لمناقشة تأثيرات الاتفاق النووي الإيراني على الأمن العربي، تمنينا أن تطور الديبلوماسيات العربية منهجها من الاكتفاء بإثارة قضية إنشاء منطقة خالية في الشرق الأوسط، في المحافل الدولية والبيانات الرسمية، إلى جعل هذه القضية على جدول أعمال «حواراتها الاستراتيجية» مع الولايات المتحدة في وجه خاص، وتأكيد مفهوم الأمن النووي الشامل في الشرق الأوسط والوضع المسكوت عنه للمفاعل النووي الإسرائيلي في النقب، والذي تقادم حيث مضى على إنشائه أكثر من 50 عاماً ولا يعلم أحد شيئاً عن حالته. وفي هذا الشكل، فإن ذلك المفاعل يمثل تهديداً حياتياً لشعوب المنطقة، بخاصة أن إسرائيل ترفض إشراف الوكالة الدولية للطاقة عليه. ولا نستبعد أن تصحو شعوب المنطقة ذات صباح كي تشهد تشيرنوبل أخرى، على حدودها. ولعل الصوت العربي في هذا الشأن يصل إلى مؤتمر «قمة الأمن النووي»، الذي تعد الولايات المتحدة لعقده في واشنطن أواخر آذار (مارس) الجاري.

نقلا عن “الحياة اللندنية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً