اراء و أفكـار

إنقاذ الأمة من الأزمة

عبدالعزيز التويجري

مهما بذلنا من جهد في اختيار الألفاظ التي تناسب الوصف الحقيقي لوضع العالم العربي حالياً، فلن نجد سوى القول إنه وضع عصيب وحرج وخطير. فللمرة الأولى يتعرض العالم العربي لخطر شامل يهدّد الأمن القومي العربي في شكل مباشر، لا مثيل له من قبل، حتى في أشد المراحل حلكةً، وأكثرها تأزماً على جميع المستويات. لقد صارت دول العالم العربي محاصرة بالأزمات، ما يمثّل تحدياً بالغ الخطورة، لا يبدو أن في الإمكان مواجهته، أو في الاستطاعة مقاومته، أو التصدي له، أو حتى التعامل معه بالقدر اللازم من الجدية والفاعلية، في ظل غياب استراتيجية عربية واضحة وحاسمة. وما يزيد في تفاقم الأزمات الناشبة والمستفحلة في العالم العربي، أن القوى الكبرى التي كان يفترض في بعضها أن تتحمّل مسؤولياتها في حفظ الأمن والسلم في المنطقة، قد تخلت عن واجباتها، حتى وصل الأمر بإحداها إلى الانحياز الكامل الى الأطراف التي تمارس الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان، وتسفك دماء الشعب السوري، وتمعن في ارتكاب جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية. وهو الأمر الذي زاد من تعقيد المواقف، وإفراغها من مضامينها، وتوجيهها نحو تنفيذ السياسات العدوانية التي تحقق المصالح الاستعمارية الجديدة، على حساب مصالح الشعوب العربية.
لقد ساءت الحالة العربية إلى درجة أن روسيا، التي هي عضو دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي، باتت تهيمن على الوضع في سورية على نحو لا يعهد إلا في الدول المستعمرة التي تفرض وجودها بالقوة، وتستولي على القرار السيادي في الدولة التي تبسط نفوذها عليها، في مقابل ذلك تقف الولايات المتحدة الأميركية، المنافسة لها والتي تشاركها العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، الموقفَ المتردد الذي لا نجد وصفاً مناسباً له سوى أنه الموقف المتخاذل، المنحاز، المتواطئ، الذي لا يمكن أن يُعفَى من تحمّل المسؤولية في ما يقع من جرائم فظيعة ومرعبة في حق الشعب السوري المنكوب. فبعد أن كانت إيران هي الدولة التي هيمنت على النظام الطائفي في سورية، وأخضعته لنفوذها، وأطلقت يد ميليشياتها الطائفية المتعددة الأجناس، للعبث في هذا البلد تقتيلاً وتدميراً وتهجيراً خلال أكثر من أربع سنوات.
صارت روسيا اليوم صاحبة القرار الأول الذي لا ينازعها فيه حتى مجلس الأمن الدولي، وبالأحرى الولايات المتحدة الأميركية، وباتت سورية دولة عربية محتلة فاقدة السيادة، تدور في فلك موسكو وطهران، إن لم تكن واشنطن قريبة من ذلك الفلك في شكل أو آخر. وبذلك يكون الاستعمار قد عاد إلى قلب العالم الإسلامي من باب سورية، حتى وإن زعم النظام المستبد أن التدخل الروسي، الذي هو احتلال كامل الأركان، جاء بطلب رسمي منه، أو (من الحكومة السورية الشرعية)، وكأنه لا تزال في سورية حكومة شرعية.
إن الأزمة المتفجرة التي جعلت من سورية دولة محتلة وبلداً منكوباً وشعباً مهجّراً، والأزمة المستمرة في العراق الذي سقط هو أيضاً، في قبضة النظام الإيراني وتفجّر طائفيةً وإرهاباً، والأزمة في اليمن التي أحدثتها ميليشيات الحوثي التابعة لإيران، وحلفاؤها من قوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، والتي تنفذ جميعُها المخطط الإيراني الرهيب في خطف اليمن بالانقلاب على الشرعية فيه، وبسط النفوذ الإيراني الطائفي عليه، مع الأزمة التي تمزق لبنان شر تمزّق، وتحيله إلى دولة خاضعة لإيران، منزوعة السيادة، مهضومة الحق فــي تقرير مصيرها وانتخاب رئيسها، يتحكم في قـرارها حزب طائفي تابع لإيران، أضف إلى الأزمات الأربع، الوضعَ المتأزم الى درجة متناهية، في ليبيا التي انقسمت دولتين وبرلمانين وحكومتين.
وتشكل جميع هذه الأزمات حصاراً يطوق دول العالم العربي، ويجعلها أمام اختيارات صعبة يتوجب أن تدفعها إلى التحرك المسؤول للحفاظ على استقلالها، وحماية مقدراتها، وصون حقوقها، والدفــاع عن مــصالحها، والوقوف في وجه الغُزاة الجدد الذين يتربصون بها.
ولئن كان الوضع الذي يحاصر العالم العربي بهذا القدر من الخطورة والتأزم، والذي لم نتردد في وصفه بما يناسبه، فإن الصمود في وجه تحدياته الصعبة، والتمسك بالحقوق العربية، والعمل بشتى الطرق لتقوية الوفاق العربي وتعزيز التضامن الإسلامي، من الشروط المؤكدة لحماية الذات، وللتغلب على الصعوبات، ولإبطال السياسات العدوانية التي تسعى إلى تمزيق العالم العربي، وإضرام نيران الفتنة الطائفية والصراع العرقي والخلاف السياسي والاحتراب المذهبي بين أبنائه، حفاظاً على المصالح العليا للدول العربية والإسلامية. وهو الأمر الذي يقتضي أقصى درجات التنسيق بين جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، على جميع المستويات، لأن الأخطار تتهدد الكتلة العربية الإسلامية جميعاً من دون استثناء، ولأن أعداء الأمة الواحدة متربصون بالجميع، ولأن تأمين المستقبل الآمن والمزدهر للأجيال القادمة هو مسؤولية جماعية وواجب مشترك.
إن الوضع جد خطير، ولا بد من أن يبادر القادة المخلصون لأمتهم إلى عقد قمة عربية إسلامية جامعة مشتركة، تدعو إليها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، تعالج موضوعاً واحداً، هو إنقاذ الأمة من الأزمة. وأول خطوة نحو تحقيق هذا الهدف المصيري، كشف تآمر إيران على العالم الإسلامي، ومدى تغلغلها التخريبي في دوله المختلفة، وتجميد عضويتها في منظمة التعاون الإسلامي، لأنها لم تعد عنصراً إيجابياً فيها، واتخاذ موقف واحد تجاه التدخل الروسي الاستعماري المشارك في الجرائم البشعة التي تفتك بالشعب السوري، والانخراط بقوة في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، والاتفاق على خطة عمل عاجلة لإعادة الأمور في الدول العربية المنكوبة إلى نصابها. إن أي تأخير في اتخاذ موقف واحد وواضح في هذا السياق، سيكون سبباً في ضياع الفرصة وفوات الإنقاذ.

نقلا عن “الحياة اللندنية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً