اراء و أفكـار

تعزيز مؤسسة القمة العربية

داود البصري
استمع
في ظل عالم متصارع، وإرادات دولية متناقضة ومتصارعة، يخوض العالم العربي حربا طاحنة من أجل إثبات الوجود وتعزيز الإرادة.
ثمة حقيقة ميدانية شاخصة في العالم العربي اليوم تقول أن النظام السياسي العربي العام يزحف على بطنه من الفشل! بسبب خيبات المرحلة الماضية، وحالة الإنقسام والتشرذم العربي غير المسبوقة ـ وصراع الأجندات الدولية المختلفة لشل الإرادة العربية وفرض وقائع وخرائط وعقليات ومفاهيم جديدة مشوهة!، وقد مثل إعتذار المملكة المغربية عن عدم عقد قمة مراكش العربية المقررة سلفا تأكيدا راسخا لتلك الحقيقة، وقد كانت مبررات التأجيل أوالألغاء هي تفاقم الخلافات العربية! بينما في تقديرنا المتواضع فأن ذلك التبرير هو الأدعى لأن تعقد القمة وتطرح جميع المشكلات والرؤى الخلافية على طاولة البحث للخروج بمقررات قد تمثل الحد الأدنى من التوافق، لكنها ستكون الطريق لتقرير خارطة طريق مستقبلية عربية قد تؤدي لمتغيرات إيجابية، أما إغلاق الباب دفعة واحدة وقطع الطريق على أي إحتمالات إيجابية فذلك ليس بالأمر الحصيف ولا المنطقي سياسيا وديبلوماسيا!
تاريخ القمم العربية منذ أن قامت لم يكن يوحي بالتوافق، بل على العكس فإن القمم العربية جاءت أصلا لتقريب المواقف بعد خلافات حادة وبعضها كان دمويا، فقمة الخرطوم مثلا العام 1967 عقدت بعد أبشع هزيمة عسكرية وحضارية عاناها العالم العربي أمام إسرائيل تم خلالها إحتلال أراضي اربع دول عربية دفعة واحدة، بما فيها أكبرها، وقتذاك، مصر التي فقدت سيناء وسورية التي فقدت الجولان والأردن التي فقدت القدس والضفة الغربية إضافة لمناطق أخرى وجزر صغيرة في البحر الأحمر.
وقمة القاهرة العام 1970 عقدت بعد حمامات الدم المسفوك في الأردن بين الجيش الأردني ومنظمة التحرير الفلسطينية في ماعرف بـ «أيلول الأسود» وكانت الخلافات العربية على أشدها في ذلك الوقت ونجحت القمة رغم إشتداد حدة الصراع في حقن الدماء وإرساء الطريق لواقع جديد رغم رحيل جمال عبد الناصر في آخر أيامها!
أما قمة بغداد الأولى العام 1978 فعقدت بعد إنقسام عربي شديد بسبب زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للقدس وإعلان مبادرته السلمية لحل النزاع مع إسرائيل، فأنقسم العالم العربي بشكل مرعب وعقدت القمة، وتم الخروج بنتائج ليست مثالية، لكنها كانت معبرة عن آفاق تلك المرحلة.
أما قمتا فاس الأولى والثانية عامي 1981/1982 فعقدتا في ظل إنقسام عربي واسع حول الموقف من قضايا خطرة من أهمها الخلاف العراقي- السوري والموقف من الحرب العراقية- الإيرانية، ولن نخوض في التفاصيل المملة والتاريخية لتلك القمم، بل نود التأكيد على ضرورة حشد الدعم والتوافق العربي لمواجهة مخاطر ومخططات المرحلة المقبلة وهي مرحلة صعبة جدا قد تغير الخرائط وتعيد رسم صورة المشهد السياسي والجغرافي في الشرق بأسره، وإذا كانت ظروف المغرب الخاصة لا تسمح بعقد القمة فإن البديل الجاهز والموضوعي في تقديري الشخصي والمحض متوفر في دولة قطر التي عرفت بديبلوماسيتها الرائدة وبأسلوبها العملي في حل الأزمات، وبمصداقيتها الكبرى في البحث عن البدائل وتنفيس الأزمات والخروج بصيغة سياسية تلبي متطلبات المرحلة الحالية.
الدوحة بديبلوماسيتها الشابة وروحها الوثابة والمعطاءة وبمنهجها العلمي الصحيح والصريح هي القادرة على إحتضان قمة العرب الطارئة والخروج بنتائج طيبة قد تعيد الأمل لإمكانية ترميم الواقع العربي المتداعي!، فالديبلوماسية المتقدمة والهجومية التي رسم معالمها الشيخ الوالد حمد بن خليفة آل ثاني ومضى في طريقها سموالشيخ تميم بروحه الشابة والوثابة المخلصة وخط يراعها الأول الشيخ حمد بن جاسم وسار على دربه الدكتور خالد العطية وأستقرت حاليا في معية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني هي القادرة على معالجة الجروح والفتوق والندب التي تشوه وجه العالم العربي فيما شعوبه تخوض غمار المواجهة في سورية والعراق ومصر واليمن ضد المشاريع الفاشية والمشبوهة التي تحاول تعطيل الدور العربي، في دولة قطر الأمل الحقيقي للمبادرة بإنقاذ مايمكن إنقاذه من السفينة العربية الموشكة على الغرق… فهل نتأمل في أن نرى الدوحة المكان الذي ستنطلق منه القمة العربية بروح جديدة وتحديات واعدة وإصرار على النجاح رغم وعورة الطريق؟
كل الإحتمالات ممكنة .. وقديما قيل : لا تطلب الحاجات إلا من أهلها! ودولة قطر هي الأهل والأمل لكل نجاح وتقدم ووحدة صف.

نقلا عن “السياسة الكويتية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً