اراء و أفكـار

هدنة تحت القصف

يونس السيد
ببساطة، ليس المهم أن يتوصل الأمريكيون والروس إلى اتفاق حول وقف إطلاق النار في سوريا، بقدر ما يهم أن يجد هذا الاتفاق طريقه للتنفيذ، فقد سبق أن اتخذت قرارات كثيرة منذ بدء الصراع السوري، لكنها ذهبت جميعاً إدراج الرياح، إما لأنها اصطدمت بالتفاصيل، أو لأنها اصطدمت بمصالح الدول الكبرى والقوى الإقليمية التي تتحكم في إدارة دفة الصراع على الأرض.
يتعلق الأمر بإنجاز اتفاق واضح يأخذ في الاعتبار مجمل التفاصيل، أو على الأقل، حسم النقاط الخلافية الأساسية فيها، والتزام الجميع بها، من قوى دولية، وإقليمية، وقوى متصارعة على الأرض. لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، فالمعارضة سبق أن أعلنت موافقتها على هدنة مشروطة بضمانات دولية، وحددت مطلبها بوقف القصف الروسي ووقف استهداف جبهة «النصرة» تحديداً، مع أن الأخيرة كانت سبباً جوهرياً في عرقلة التوصل إلى الاتفاق، قبل أن يتفق الطرفان على اعتماد تصنيف مجلس الأمن للمنظمات الإرهابية، وبالتالي فإن هذه النقطة ستظل من أبرز عوامل تهديد الاتفاق.
النظام، بدوره، وافق على هدنة مشروطة بعدم استغلالها في تسليح المعارضة أو تقديم الدعم اللوجستي لها من قبل القوى الداعمة، وتركيا خصوصاً، لكن الخطورة تكمن في استمرار زخم هجوم القوات النظامية تحت غطاء القصف الروسي الكثيف في ريف حلب، وما إذا كان هذا الهجوم والقصف سيقتصران على مناطق سيطرة «داعش»، أم سيشملان استهدافات أخرى. ومن يضمن التزام المقاتلين الأكراد بمقاتلة «داعش» فقط، إذا ما وجدوا الفرصة سانحة لهم للتقدم نحو اعزاز، وبالتالي من يضمن رد الفعل التركي إزاء مثل هذا التقدم الذي تعتبره أنقرة خطاً أحمر؟ نجح الاتفاق في تجاوز الكثير من الخلافات بين موسكو وواشنطن، وأظهر جدية واضحة، قد تكون هي الأولى منذ بدء الصراع السوري، في تغليب المسار السياسي، لكنه حمل الكثير أيضاً من الغموض والثغرات الخطرة، وظل يفتقر إلى آليات المراقبة والتنفيذ، ما يعني أن الاتفاق لا يزال بحاجة إلى الاستكمال، وربما إلى انخراط أمريكي روسي مباشر في كل مراحل العملية، فخرائط المناطق التي يسيطر عليها من صنفوا بالإرهابيين لم تحدد بعد بسبب التداخلات على الأرض، وليس معروفاً من سيلتحق بركب المسار السياسي الجديد، وفق الاتفاق الذي حدد ليلة 26 فبراير/شباط للإعلان عن الالتحاق بهذا المسار، وكل من يتخلف من الأطراف المتقاتلة سيواجه بإدخاله في قائمة الإرهاب.
في الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الأمريكي والروسي، الذي أعقب إعلان الاتفاق، تعهد بوتين بإلزام النظام السوري بتطبيق الاتفاق على أن تقوم واشنطن بإقناع حلفائها في المعارضة والإقليم بذلك، لكن النظام السوري استبق كل ذلك بالإعلان عن إجراء انتخابات برلمانية في 13 إبريل/نيسان المقبل، في خطوة أراد من خلالها الظهور بمظهر المتحرر من أية ضغوط، مع أنها تندرج في إطار خريطة الطرق التي اعتمدتها المجموعة الدولية ومجلس الأمن.
هذه المؤشرات وغيرها، دفعت واشنطن منذ اللحظة الأولى إلى الإعلان أن «تنفيذ الاتفاق صعب جداً»، على الرغم من التفاؤل الذي أبدته موسكو، فضلاً عن الرسائل الدموية التي استبق بها «داعش» إعلان الاتفاق، وأوقعت مئات القتلى والجرحى، وما سيؤول إليه مسرح العمليات الأهم في ريف حلب، ما يعني أن الهدنة ستظل تحت القصف.
فهل ستنجح واشنطن وموسكو في فرض وقف إطلاق نار حقيقي، والانتقال إلى عملية انتقال سياسي تنهي الصراع السوري، رغم كل هذه التعقيدات وتشابك المصالح؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.

نقلاً عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً