اراء و أفكـار

اختطاف الدين.. واستثماره

ما أشبه ما يجري على الأرض العربية حالياً بما جرى على الأرض الأوروبية بين عامي 1618 و1648، أو ما أطلق عليه حرب الثلاثين عاماً التي قضت على الملايين من البشر باسم الدين وتحت رايته، وفقدت ألمانيا لوحدها في هذه الحرب نحو ثمانية ملايين إنسان، أي نحو ثلث عدد سكانها تقريباً، وتم تدمير نحو نصف مدنها وقراها، إضافة إلى مناطق بأكملها في أوروبا الوسطى وتخللها عمليات نهب واسعة، وانتشرت المجاعات والأمراض وشاركت في هذه الحرب معظم الدول الأوروبية باستثناء بريطانيا وروسيا، إضافة إلى مئات الآلاف من المرتزقة، كما هي الحال اليوم في استخدام آلاف الإرهابيين المرتزقة الذين تم استقدامهم إلى الأرض العربية من كل حدب وصوب للمشاركة في حرب يستخدم فيها الدين ذريعة للقتل والذبح والفتك بالبشر والحجر تحت مسمى «الجهاد» ، او بعبارة ادق “اختطاف الدين”.
حرب الثلاثين عاماً التي انتهت بصلح “ويستفاليا”، اندلعت بداية كصراع ديني بين الكاثوليك والبروتستانت ثم تطورت إلى صراع سياسي من أجل السيطرة على دول أخرى، واختلطت فيها الأوراق والأهداف.. ففرنسا الكاثوليكية ساندت الجانب البروتستانتي لإضعاف منافسيهم آل هابسبورغ لتعزيز موقف فرنسا كقوة أوروبية أساسية، ما أدى لاحقاً إلى حرب بين فرنسا وإسبانيا.
عندما يتم استخدام الدين في غير مكانه، ويستثمر لتحقيق أهداف سياسية ومآرب شخصية أو فئوية، ويوضع كأساس في العلاقات بين البشر فلا بد أن ينتهي الأمر إلى كوارث.
مصيبتنا -نحن العرب والمسلمين-، أنه خلال السنوات الخمس الماضية سمحنا لمجموعات أطلت علينا من جحور التاريخ المظلمة، وسمحنا لها أن تختطف الدين الإسلامي وترفع راياته ومصحفه وتزور معنى آياته، وتفسر الأحاديث النبوية على هواها وبما يتناسب مع أهدافها ونزواتها، وتقوّل الرسول الكريم ما لم يقله، وتستل من التراث الإسلامي كل ما هو مشكوك في صحته ويقدم الإسلام على غير حقيقته كدين سلام ومحبة وتسامح وتلاقي.
كانت الكارثة أن هؤلاء تمكنوا من الإيقاع بآلاف المسلمين في حبائلهم, وجندوا في صفوفهم أعداداً كبيرة ممن انطلت عليهم أكاذيبهم وتدليسهم، وحظوا بالدعم البشري والمادي والمعنوي والإعلامي من أكثر من جهة، وتوسعوا وتمددوا وتحولوا إلى بيادق على لعبة الشطرنج الكبرى في المنطقة، يخدمون استراتيجيات ومصالح دول إقليمية وأجنبية.
إن المنظمات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة» و«النصرة» وغيرها المماثلة المنتشرة في اصقاع العالم والتي باتت تشكل خطراً على المسلمين والعرب والعالم، هي ظواهر لن تعيش طويلاً مهما مارست من إرهاب وتوحش وتكفير أو لاقت من تأييد ودعم، لأنها ضد مسار التاريخ والحقيقة والمنطق.. والأهم أنها ضد صحيح الدين وتتناقض مع علاقة البشر بخالقها.

نقلا عن “الخليج “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً